إطلاق جائزة الابتكار الصناعي    الرياض تحتضن المنتدى العالمي لإدارة المشاريع    الخليج يقلب تأخره لفوز على الرائد    تكساس الأمريكية تسجل ثاني وفاة مرتبطة بالحصبة    في دورة الألعاب الخليجية .. فريق السعودية يحتفي باليوم العالمي للبطاقات البيضاء    القبض على 11 مخالفًا لنظام أمن الحدود لتهريبهم 288 كجم من القات    التعليم تشارك في معرض جنيف للاختراعات    إثراء تجذب 100 ألف زائر    وزير المالية يزور الكراج وبرنامج NTDP    غدًا.. انطلاق منتدى الاستثمار الرياضي (SIF) برعاية وزارتي الرياضة والاستثمار في الرياض    الخريجي يتسلّم شارة منتدى الاستثمار الرياضي نيابة عن وزير الخارجية    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بمناسبة عيد الفطر    أمير حائل يستقبل المهنئين بمناسبة عيد الفطر من منسوبي الإمارة    الجوازات تصدر أكثر من 15 ألف قرارًا بحق مخالفين خلال رمضان    مدير خارجية منطقة مكة يستقبل القنصل العام الأمريكي    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تقيم حفل المعايدة السنوي بمناسبة عيد الفطر المبارك    الملك يرعى تكريم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي    الأسهم السعودية تتراجع ب 805 نقطة    تخريج الدفعة الأولى من خريجي برنامج أكسفورد لمستقبل العقار في بريطانيا برعاية عين الرياض    مستشفى الرس يُجري أول استئصال لوزتين بتقنية "الكوبليشن"    266 ألف طالب وطالبة ينتظمون في الدراسة بمدارس الأحساء    المنتخب الصيني يخسر أمام نظيره السعودي في أولى مبارياته بكأس آسيا تحت 17 عاما    أسبوع حاسم ترقب لبيانات التضخم وأسعار المستهلكين    في ختام ثاني أيام الجولة 26 من روشن.. الاتحاد يرفض الخسارة أمام الأهلي في ديربي الغربية    إدارات التعليم تطبق الدوام الصيفي في المدارس.. اليوم    1071 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ الجمركية    الذكاء الاصطناعي جريمة معلوماتية!    ماتياس: صعب علينا تقبل التعادل مع الاتحاد    في المرحلة ال 31 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. ديربي ساخن في مانشستر.. وليفربول للاقتراب من الحسم    17 ألف طفل فلسطيني في سجل شهداء الإبادة الجماعية    للتعريف بالحِرف الوطنيّة الأصيلة.. إطلاق مبادرة لوحات «وِرث السعودية» على الطرق السريعة    استنكرت وأدانت استهداف الاحتلال للمدنيين العزل.. السعودية تطالب العالم بوضع حدٍ لمأساة الشعب الفلسطيني    أكدت مرونتها وفقاً لتطورات السوق.. «أوبك بلس» تزيد الإمدادات في مايو    وزير خارجية بريطانيا: إسرائيل تحتجز اثنين من نواب البرلمان البريطاني    "يونيسف" تحث إسرائيل على السماح بدخول قوافل المساعدات إلى غزة    الولايات المتحدة تلغي جميع التأشيرات لمواطني جنوب السودان    الرياض وصناعة الفعاليات    مترو الرياض.. جسر للقلوب    إرثٌ خالد ورمزٌ للأصالة    رجال الأمن.. شكراً لكم من القلب    في الشباك    محمد بن سلمان.. إنسانية عميقة    العثور على بقايا ماموث في النمسا    مطلقات مكة الأكثر طلبا لنفقة الاستقطاع الشهري    خطيب المسجد الحرام: مواسم الخير لا تنقضي وأعمال البر لا تنقطع    إمام المسجد النبوي: الاستقامة على الطاعات من صفات الموعودين بالجنة    أسرار في مقبرة توت عنخ آمون    كرة ذهبية في قاع المحيط    كيف تحمي طفلك من قصر النظر؟    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يعيد زراعة أذن مبتورة بنسبة تزيد على "50"%    بلدية الدمام تعايد مسؤولو ومرضى مستشفى الملك فهد بالدمام    الفنان التشكيلي سعود القحطاني يشارك في معرض جاليري تجريد 2025    الملك وولي العهد يعزيان عضو المجلس الأعلى حاكم أم القيوين في وفاة والدته    ودعنا رمضان.. وعيدكم مبارك    مركز 911 يستقبل أكثر من 2.8 مليون مكالمة في مارس الماضي    بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر المبارك    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغانٍ لأعشاش مهجورة
نشر في عكاظ يوم 11 - 01 - 2014


الحلقة العاشرة
كانت ليلة دامية.
طوق أبناء الزاوية حلبة المزمار وعيونهم تقدح شررا ضاريا، تبدى ذلك من طريقة اقتحامهم لحلبة الرقص، وخمش التراب وقذفه باتجاه النار المشتعلة، أحس الكلجة بتلك العدوانية، وغمز دقاقي العدة بمواصلة الدق، فارتفعت تناغمات المرد والنقرزان تخلطها بحته الشجية وهو يتوسط الحلبة كزومال متأبطا شونه، ومصلحا من عمته ذات النقوش السوداء والبيضاء، ومجاهدا في رفع صوته ليغطي على ارتفاع نغمات الدق:
وحطبنا من درب السبل وحطبنا من درب السبل.
كان زوماله رسالة للفريقين: عدم الترحيب بمن حضر والتحفيز لأبناء حارته لمواجهة القادمين، تحلق لاعبو المزمار حول النار المشتعلة مرتكزين على أشوانهم بانحناءات خفيضة ومتنبهين لأي حركة تصدر من أبناء الزاوية.
تقدم (الكبدة) صوب حسين زومال:
الليلة زواج أخي، ومن الشهامة أن لا تبطلوا فرحتنا.
لم يكترث به أحد، وقفز حسين زومال لمنتصف الحلبة مديرا شونه في حركة دائرية متفرسا وجوه خصومه، وثبت شونه على صدر (فكونا) الذي استجاب للتحدي، وقبل بالنزال، فالتف كل منهما حول خصمه يتقارعان بالأعواد يزن كل منهما مقدرة خصمه ومهارته، وبحركة سريعة انقض حسين وهوى بشونة فالقا هامة (فكونا)، ومع ارتفاع صرخته التحم أبناء الزاوية مع خصومهم.
لحظات وانقلب المكان إلى مساحة شاسعة من العراك استخدمت فيه السواطير والخناجر والأشوان، وغدا كل جسد هدفا للتصويب.
في ذلك الاحتدام، كان محمدوه يبحث عن إبراهيم عاشور، إذ لم يكن يعنيه من كل ذلك الاحتراب سوى الظفر بمن أهانه ونال من ارتفاع سقف هيبته.. دار بجسده الفارع يبحث عن بغيته وعندما لم يعثر عليه قرر الاستدلال لمكانه عبر المتشاجرين، فقبض على رقبة الكمانة:
حياتك ستقف هنا إن لم تخبرني أين أجد إبراهيم عاشور.
احتاج أن يرخى قبضته ليسمع صوته:
أنا لا أعرف إبراهيم هذا ولست من هذا الحي جئت للغناء فحسب.
فأعاد قبضته على حنجرته زائرا:
لن أخرج من هذا الحي إلا بجثة إبراهيم عاشور..
كان الجميع في حالة ارتباك وفوضى وتراكض لا أحد يلوي على شيء.
وجد يدا تربت على كتفه:
دع الكمانة وسوف أدلك على موقع إبراهيم عاشور.
التفت محتدا:
من أنت؟
شخص له خصومه مع خصمك، فدع الكمانة واتبعني..
** **
خلص الياردي رقبة الدندون من بين براثن محمدوه، واستعجله لأن يتبعه:
أبناء حارتك هزموا وتفرقوا ولو تنبه لك أبناء الصهريج سيقتلونك في مكانك،
راويا له كيف هزم أبناء حارته بعد أن كسبوا الجولة الأولى، وكيف انقلب سير المعركة مع تدخل جميع أبناء الحارة وإحاطة المهاجمين، والتفرد بكل واحد منهم على حدة.
لم يصدق محمدوه أنه سيخرج من الحارة من غير أن يصل لخصمه، فاستجاب للياردي وأسلمه القيادة، فانثنى به سالكا أزقة تؤدي إلى خارج البرحة وتغوص في جوف الحي:
أريد منك أن تطمئن لنصائحي ولا تخالفني..
استشعر محمدوه بقلق ما لم يستطع معرفة كنهه، إلا أن رغبة في الوصول إلى إبراهيم عاشور غطت على حذره، مستجيبا لنصائح دليله بسرعة السير، وعلى بوابة بيت عاشور توقف الياردي:
هذا بيته.. دق الباب وخذ بثأرك.
ساور محمدوه قلقا مضاعفا من خدمات الياردي، وإن اطمأن بعض الشيء حينما سمعه:
علي أن لا أظهر في الصورة.. سأنتظرك في الجهة الخلفية للمنزل.
طرق الباب مرارا، وعندما يئس من الرد هاما بالعودة سمع صوتا أنثويا يستفسر عن الطارق:
أريد إبراهيم..
إبراهيم لم يعد بعد.
فانثنى حائرا، وعزم على العودة قبل أن يقع فريسة لأبناء الصهريج غير مكترث بالالتقاء بدليله الذي لا يعرف هدفه تماما، وقبل أن يبتعد كان الياردي يبسبس له لاحقا خطواته العجلة:
ماذا فعلت؟
لم يصل إلى البيت.
كنز الياردي على أسنانه غيضا:
ما رأيك أن ننتظره في الخرابة الخلفية لمنزلهم.. فهو يدخل إلى بيتهم من هناك.
عاودت محمدوه الشكوك في نية دليله وغرضه من جذبه واستدراجه لجهة لا يعرف ماذا أعد له فيها، فتفلت منه مهددا إياه:
يبدو أنك ستكون ضحيتي بدلا من إبراهيم.
وسارع خطاه، فإذا به يفاجأ بأن معركة أبناء حارته لا تزال دائرة، فأيقن بأن دليله كان فخا لاصطياده، فأعاد قبضة يده على حنجرة الياردي كما فعل مع الدندون:
أقسمت أن لا أوذي أحدا سوى إبراهيم ويبدو أني سأحنث بقسمي..
واستل شفرته المربوطة على ساقه ووضعها على حنجرة الياردي الذي اتسع صراخه مستجيرا:
امنحني فرصة أخيرة.. سأدلك على إبراهيم.
أريد رقبتك الآن..
كان الهاربون من حلبة المزمار يتواصون على إبعاد الأطفال وكبار السن، ومع رؤيتهم لمنظر محمدوه قابضا على الياردي، تصايحوا بفتواتهم:
انقذوا الياردي..
فجرى صوتهم في معمعة لا يسمع فيها إلا ضرب الأشوان، فانثوا لقذف محمدوه بالحجارة، أغلبها أصاب الياردي، إذ اتخذ منه درعا لتجنب تصويباتهم، فكان يصيح بهم أن يكفوا عن رميهم.
وجد محمدوه نفسه محاصرا وسط مجاميع من أبناء حارة الصهريج، فشدد قبضته على رهينته، وأخذ يسحبه لعمق المعركة حين سمع أبا عيشة يناديه:
خصمك تحت عيني يا محمدوه وكما وعدتك لن يؤدبه سواك..
لكز الياردي برجله وهوى عليه بشومته، وانطلق إلى الجهة التي أشار إليها أبو عيشة.
كان إبراهيم ضمن مجموعة تصد المهاجمين مشكلين صفا من نصف دائرة كحاجز صد يحول ما بين المهاجمين واقتحامهم لقلب الحي.
ومع توالي الضربات يفك الصف ويعود للالتئام مرة أخرى، أخذ محمدوه يتربص بإبراهيم حتى تمكن من إيجاد فرجة اقتحم، ونزع إبراهيم من كوم ثوبه وألقاه أرضا، وصعد على صدره معمقا شفرته وممررا حدها على وجه إبراهيم، وهو يصيح بانفعال شديد:
لن تنساني بعد اليوم..
ونهض متناولا شومته ومنسحبا من أرض المعركة تاركا جرح إبراهيم يثعب دما.
** **
مضى زمن على التقاء محمدوه بالياردي، وكلما تذكر تلك الليلة تضاحك في أعماقه وتمنى لو أنه جز رأسه بدلا من تشريط وجه إبراهيم عاشور.
ظهرت هذه الأمنية متأخرة جدا.
كان الوقت غير كافٍ لاسترجاع كل الحوادث التي مرت بأسرته وأقاربه، ولم يكن يخطر بباله بتاتا أن الياردي هو من تسبب في حدوثها.
تغدو الحياة مرة حين نكتشف أسرارها.
حاول أن ينفرط كمده بتلك الجملة التي واسته أمه بها، فقبض على عكازه المجاور لرقدته وفرت من صدره آهة عظيمة.
** **
من يريد الياردي فليبحث عنه بجوار بيت عاشور.
هذا الاقتعاد الطويل تنبه له أهالي الحارة متأخرا، وتحول جلوسه في مواجهة بيت عاشور إلى سر حاول الكثيرون فتح مغاليقه، فقيل إنه عاشق لأميمة، وهو قول كان يسري بين الأهالي بسرية تامة خشية من أن يصل إلى مسامع إبراهيم عاشور، واستبدلوا هذا القول بقول موارب خرج من فم العجوز صالحة عيسى عللت مكوثه بأن حبله السري دفن بجوار نافذة بيت عاشور.. حتى إذ ظهرت عليه علامات الخبل قيل إنه عاشق ذهب العشق بعقله.
ظل عمرا طويلا لا يبرح مكانه، فما أن يدخل الغروب، حتى تجده قد اقتعد مقعده، وركز براد الشاي على حجرتين، واشعل حطبا يجلبه معه، وأدار مؤشر المذياع على قناة صوت العرب، وظل إلى الصباح يرتشف من كأسه غير مرحب بأي شخص يرغب في مجالسته.
ومنذ أن فتح كتاب شمس المعارف لم يعد أحد راغب في الجلوس معه أو محادثته.
** **
تقدم به العمر وهو لا يزال متحجرا في جلسته الليلية لا يبعده عنها برد قارص أو غبار عاصف، صمته الطويل انفجر فجأة وتحول إلى ماطور من الحكايات التي يستشهد بها الأهالي على فقده لعقله.
قبل ذلك وبفترة وجيزة، حدث تغير واضح في سلوكه، فقد لوحظ تتبعه للأفريقيات ومحاولة إغرائهن لصحبته، إذ كان يصطحب الواحدة منهن باتجاه الخرائب الخلفية لبيت عاشور، ولا أحد يعرف ما الذي يحدث تماما، فمن غير إنذار يتعالى صياح المرأة المصطحبة باستغاثات محمومة تجد صدى لنجدتها من الجيران الذين يهبون من كل زاوية، ويخلصون المرأة من بين يديه وهو في حالة هذيان وسفك الشتائم لكل عرق زنجي.
فعله ذلك أثار حمية الجيران وطالبوا العمدة بأن يردع أفعال الياردي التي تسببت في خدش حياء نسائهم، وقبل أن يتخذ العمدة موقفا شاع خبر فقدان الياردي لعقله، فغدا الجميع متسامحا مع ما يحدثه من أحداث غريبة يسبقها الدعاء بأن يشفيه الله.
وقد طلب بعض الجيران من الإمام بلال أن يقرأ عليه ويرقيه، إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض الشديد، وقد فسر هشام محلاوي هذا الرفض بأن الجن الذين استحضرهم الياردي ولم يتمكن من صرفهم بالكثرة التي يعجز أي راقٍ من صرفهم.
بعد هذا غدت كل أفعال الياردي مصفوحا عنها مع التحذير بعدم مخالطته لكي لا تنفر الجن الساكنة جسده لجسد مجالسيه.
وقد أيقن الجميع بأن الجن اقتسموا جسده وبيت عاشور للسكنى ولا فائدة من إخراجهم من مساكنهم.. هذا اليقين تولد من مقولة سليمان المطوع الذي أقسم أن من يجلس بجوار بيت عاشور أو يجالس الياردي سوف يصبح جسده مسكنا ثالثا للجن.
** **
خرج يبحث عن عبد ليشتريه.
كان يشعر بغصة في داخله، لم تعد صيحات الصبية تستثيره كثيرا، حيث يسير متوكئا على عصاه ذارفا الشتائم يمينا ويسارا من غير أن تكون موجهة لشخص بعينه، فقد امتلأ رأسه بشخوص غير مرئية يجاذبها الحديث ويصب عليه لعناته.
تعود أهل الحي على شجاره الدائم مع كائنات يتوهمها تقف بين يديه وتثنيه في أحيان كثيرة عما نوى فلا يجد ملاذا سوى الصراخ وتهديدها:
سأحرقكم جميعا.. لن تمنعوني عن هدفي.
صيحاته المرتفعة داخل المسجد جعلت الإمام بلال يبدي شيئا من التحفظ حيال وجوده بين المصلين، ومع ازدياد حالته سوءا أفتى بعدم جواز صلاته مع الجماعة، فوقف له المصلون مانعين دخوله للمسجد، فيستثار ويظهر غضبه وصرخاته المتعاقبة:
أتمنعونني من دخول بيت الله.
التي لا تجدي أمام القرار الذي أجمع عليه المصلون، ويكتفون بهشه وإبعاده عن بوابة المسجد.
كان فعله مثيرا للضحك الذي يكتمه الكبار ويصرح به الأطفال، فما إن يدخل الإمام إلى الصلاة بتكبيرة الإحرام حتى تتعالى جلبة من خارج المسجد يتبعها تهديد ووعيد لكل المصلين، ويظل صوته يلوب في مسامع المصلين وجسده يخترق الصفوف، ترصده زوايا عيون المصلين، وهو يقف أمام كل صف صائحا:
ها أنا جئت.
حتى يقف على يمين الإمام في الصف الأول مبعدا من يصادف وجوده في تلك النقطة بالتحديد، ويكبر من غير أن يدخل في الصلاة بالصمت أو متابعة الإمام، إذ يسرد كل الحكايات التي يعرفها عن المصلين.
اجتمع المصلون لبحث كيفية تنفيذ فتوى الإمام بلال وعدم تمكين الياردي من دخول المسجد، وتفتقت مشاوراتهم عن مقترح أن يتبرع مع كل فرض شخص بإمساكه خارج المسجد ويمنعه من الدخول!!
** **
قبل تردي حالته كان يسير ممتعضا من فيصل كثيرا وغدت لزمته الشهيرة.
لو لا فيصل لحققت أحلامي.
في هذه الحالة فقط يتنافر الأهالي من حوله خشية أن يؤدي سماعهم له إلى ما لا تحمد عقباه، ومن كان يشفق به يظل يتودد إليه أو يحاول تكميم فمه، مبديا له سوءة القول، فلا يزيده ذلك إلا إصرارا.
بيت عاشور وكتاب شمس المعارف عطبا عقله تماما.
في البدء لم يكن أحد يعرف كيف حصل على الكتاب، ومع جريان حكاياته وتشعبها بين أهالي الحارة أفصح الفقمة عن أن إبراهيم عاشور هو من جلب له كتاب شمس المعارف من مصر.
** **
حكايات كثيرة تفتقت بعد انهمار سيل الأربعاء الذي جرى في مناكب الحي بعنفوان متدفق، جارفا كل شيء اعترض طريقه، وغدا خطر مداهمته للبيوت أمرا حتميا ليتنادى الأهالي للخروج وتحوير مجراه بعد أن تهدمت أجزاء من الصهريج وفاضت مياهه مكتسبة تدفقا مضاعفا لانحدار الأرض من تلك الجهة ضاربة بيت عاشور كأول ضحاياها.
ظلت قامات الرجال منحنية ليلة كاملة لبناء سدود ترابية وحفر قنوات متشعبة أمام جريان السيل.
ومع تسلل أشعة الشمس كانت مفاجأتهم رؤية عملات معدنية متناثرة بين القنوات التي حفروها، فتسابقوا لجمعها وهم يتصايحون:
ظهر كنز بيت عاشور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.