كم نحن بحاجة ملحة تتضاعف بتضاعف مشاغل الحياة وانشغال الناس، أقول بحاجة ملحة لهذه النوعية النادرة من البرامج الإعلامية الهادفة كبرنامج «وينك» الذي يقدمه الإعلامي محمد الخميسي كل يوم ثلاثاء عبر قناة روتانا خليجية. هذا البرنامج حين يستضيف أيا من الرواد السابقين في أي مجال من المجالات. بعد أن تواروا عن الأنظار لأي سبب من الأسباب فهو من خلال هذه الرسالة يحقق أكثر من هدف هام وإيجابي: يعيد «تنشيط» الوفاء والعرفان تجاه من نساهم أو تناساهم المجتمع وهم على قيد الحياة، فيسهم في محاولة التغلب على «علة الدفن» التي وصفه بها الأديب الراحل محمد حسين زيدان «مجتمع دفان»، ينسى أويتناسى رواده وهم على قيد الحياة، فما بالك به بعد رحيلهم. إحياء هذا الجسر من التذكير والتذاكر. لا يقدر وقعه ومشاعره الإنسانية، إلا كل من يبادر هذا البرنامج وأمثاله للبحث عنهم واستضافتهم من بعد غياب. ما لا يقل أهمية عما ذكر تجده في الكثير من الذكريات التي يتفضل بها هؤلاء «الكبار» عند استضافتهم، بالقدر الذي تكون عليه إدارة دفة الحوار، وجودة المحاور. في حديث أي ضيف من هؤلاء الرواد عصارة من الخبرة والتجارب والمواقف، التي يفترض أن يحرص على متابعتها والاستفادة منها الجيل الحالي وخاصة العاملين في المجالات التي سبقهم إليها هؤلاء الرواد. على سبيل المثال في حلقة بثت مؤخرا من برنامج «وينك» كان الحوار مع الإذاعية القديرة دلال عزيز ضياء. مدير عام إذاعة جدة سابقا، تحدثت عن تجربة ثرية بالكفاح والإصرار وتطوير الذات في مشوارها المرصع بالطموح والمتوج بتقلدها لعدد من المناصب القيادية غير المسبوقة على مستوى بنات جنسها، فكانت أول سيدة سعودية تتولى منصب كبير مذيعي إذاعة جدة وما تلاه من مناصب قيادية حتى تقاعدها، تحدثت عن أهم أقدم برامجها «الليل والكلمة والنغم» الذي ظلت تعده وتقدمه طوال 23 عاما، ثم قالت بعد إلحاح مقدم البرنامج عليها في رأيها عن الإذاعات الجديدة غير الرسمية وبرامجها: «أنا لا أحب أن أنتقد جزافا، لكن للحقيقة أنا لي تحفظ على بعض البرامج في هذه الإذاعات، يجب أن يكون المذيعون والمذيعات على قدر كاف من التدريب، الحفاظ على اللغة الفصحى، حتى وإن تحدثوا بشيء من العامية التي لا تتجاوز ما نسميه بلغة الإعلام، البعد عما هو ملاحظ من استخفاف، واستظراف، واستخفاف بعقلية المستمع، إذا أردنا التقرب للمستمع فليس بهذا المزح المفرط الذي لا يليق بمجتمعنا. الإذاعة لها نكهة معينة، وتتطلب ضوابط ومعايير لايجب التنازل عنها... إلخ». مثل هذه الملاحظات القيمة إن كانت المعنيات في هذه البرامج أبعد ما يكن عن امتلاكها. فأين المسؤولون عما يقدم فيها من «ميوعة» وإخلال خادش؟!.. والله من وراء القصد. تأمل: من يهن يسهل الهوان عليه.