(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).. هذه المقولة التي تنسب لعثمان بن عفان أثبتت صلاحيتها ومصداقيتها عبر الأزمان التي عبرتها، فهي تجسد الطبيعة البشرية الفاسدة التي لا يوقف جنوحها سوى العقوبة، فالإنسان يخشى من الراهن ويؤجل خشيته من الموعود به على أمل أن يتحلل منه أو يغفر له. وحين تم إنشاء حساب تحت مسمى (إبراء الذمة) كان حسن الظن قائما من أن هناك من سيندم على اختلاساته وسرقاته للمال العام، وأنه سيندم ويعيد ما سرق من غير أن يعرف به أحد، إذ تكون توبته هي التي قادته لإعادة المسروقات أو الاختلاسات، لكن واقع صندوق (إبراء الذمة) يكشف لنا أن قلة من استيقظ ضميرهم وأعادوا ما اختلسوه من المال العام، بينما مضى الكثير منهم بمسروقاتهم من غير أن يهتز لهم خافق أو يتبادر لأذهانهم ما سلقوه من عذاب جراء ما اقترفوه.. وبالأمس وأنا أقرأ جريدة الوطن لفت نظري خبر بأن (وزارة العدل شكلت مندوبين للتحقيق حول صكوك مزورة تم نقضها خلال العام الماضي، بعد تلقي الوزارة توجيهات عليا بملاحقة قضاة أحيلوا للتقاعد ثبت لاحقا تورطهم في تزوير صكوك أثناء تواجدهم على رأس العمل القضائي. وأكد الخبر أن وزارة العدل ستبحث عن المتورطين، سواء كانوا قضاة أو كتاب عدل وضبط، لإحالتهم إلى الادعاء العام لمحاسبتهم، خصوصا أن من بين الصكوك التي يتم التحقيق بشأنها صك بقيمة أكثر من مليار ريال، تورط فيه قاض متقاعد، وسبق إحالة الصك لمحكمة الاستئناف، وثبت تزويره وشطبه، فضلا عن صكين آخرين لأراضٍ واسعة بجنوب مكة تورط في تزويرهما كاتب عدل وقاضٍ متقاعدين كل على حدة). وحرصت على نقل الخبر حرفيا لكي أعود إلى مقولة عثمان بن عفان رضى الله عنه وأثرها الفاعل في أي عملية إصلاحية، فتطبيقها يستوجب اجتثاث الفساد من الجذور، وهو ما يقتضي أيضا مراجعة كل العمليات التي أفرزت فسادا وهي العقوبة بأثر رجعي، وهو الأمر الذي يستوجب مراجعات لكثير من عمليات الاختلاس أو التدليس أو الرشوة أو التفريط في المال العام.. وكانت الأمنية أن تنهض بهذا الدور هيئة مكافحة الفساد، إذ أن بمقدورها أن تعمد لأداء هذا الدور وتنقية الأجواء الراهنة من أبخرة ودخان الماضي.. لكن ذلك لم يحدث، وأن تنهض وزارة العدل بهذه الخطوة، فهي تؤسس لمراجعات يجب أن تقوم بها كل الوزارات.