"لا تعتقدوا أبداً بأن الحرب التي ستخوضونها.. ستكون سهلة وسلسلة.. لا بد لمن يستسلم لحمّى الحرب.. أن يدرك.. بأنه ما أن يعطي إشارة البدء.. فلن يكون بعدها سيد الموقف.. بل سيصبح عبداً للأحداث غير المتوقعة.. والتي لا يمكن بحال السيطرة عليها..!" تشرشل اطلعت على مقال الأستاذ تركي الثنيان في صحيفة (الوطن) يوم الثلاثاء الماضي والذي حرص بأن يحمّله عنواناً صاعقاً: (كشف الحسابات البنكية لكتاب العدل).. وبقدر ما استمتعت باللغة الأدبية الراقية والنبرة الوطنية العالية.. التي حرص أستاذي تركي على تضمينها سطور المقال ، إلا أني أعتقد بأن التسرع والحماس المشبوب بالعاطفة.. كان السمة الغالبة على أفكار المقال.. لأسباب: @ لغة التعميم كانت واضحة كأشد ما يكون.. والتي لم تفرّق مع الأسف بين عدد بسيط من كتاب العدل الذي باعوا الدنيا بالآخرة.. ممن نسمع عنهم بين الحين والآخر.. وبين السواد الأعظم.. نزيه اليدين.. أبيض (الحساب)..!.. أولئك الذين كانت ولا تزال سبل الفساد المالي مسخّرة بين أيديهم بكل بساطة.. عبر ثالوث أرخى عليهم بثقله: 1- قوانين متهالكة تتيح الالتفاف خلفها بسهولة تامة - 2- ملايين تعرض عليهم صبحاً وعشياً 3- ورواتب عادية لرجل فرض عليه المجتمع أن يعيش وضعاً اجتماعياً عالياً.. لكنهم رغم ذلك كله صامدون.. صدّقني صامدون. @ المطالبة بكشف الحسابات البنكية يجب ألا تكون فقط لكتاب العدل.. بل لجميع موظفي الدولة.. تماماً كما في دول العالم المتقدم.. إذ يجب على الموظف في كل عدد معيّن من السنين أن يبرز ما يسمّى.. (كشف إبراء الذمة).. وهو عبارة عن كشف حساب للموظف في جميع البنوك.. يتضمن الحركة المالية له ولأفراد عائلته ومصدر هذه الأموال.. والتي قد تنبئ موظفي ديوان المراقبة.. وتحرّك الحاسة السادسة لديهم تجاه أي فساد مالي محتمل.. يوجب مساءلته ومحاكمته.. عن أي جريمة تعدي على المال العام..! @ السلطة المطلقة.. عزيزي تركي.. هي كما يقال.. مفسدة مطلقة.. وبالتالي فإن كتاب العدل ليسوا بحال من الأحوال كما وصفتهم: (موظفين صغار جداً كالسوس.. لا يرى إلا بالعين الخبيرة..!).. بل هم موظفون بصلاحيات مناسبة.. هي أقل بكثير من صلاحيات مدير عام.. يستطيع بشيء من الخبرة والمشورة المحاسبية وغياب الضمير.. أن يوّجه مخصصات إدارته إلى جيب سعادته العامر.. لينتظر تقاعداً مريحاً.. وجحيماً بعد الموت قد فتح جميع أبوابه في استقباله..! @ وقع الخبر على الأستاذ تركي.. ربما جعله يتسرع شيئاً ما تجاه بعض المألوفات القانونية والفقهية.. فمثلاً عندما ذكر بأن (كشف الحسابات البنكية في كل بنوك المملكة لآخر عشر سنوات مضت وحتى اليوم) فإن الإجراء الرسمي للبنوك السعودية حسب توجيهات مؤسسة النقد هو الاحتفاظ فقط بسجلات آخر خمس سنوات فقط.. وعندما غضب بقوله: (أبسط أبجديات العدالة أن ينتزع منهم كل ما أخذوه بلا حق مهما طال الزمن ، إن لم تقطع الأيدي في الصفاة) فإن الفقه لم يشرع أبداً عقوبة القطع على الاختلاس.. بل فرّق بينها وبين السرقة وجعل عقوبتها تعزيرية بحيث تخضع للسلطة التقديرية للقاضي. @ إني أتفق معك دكتور تركي كل الموافقة.. بوجوب تفعيل القانون الوقائي (من أين لك هذا..؟!) فوراً.. عبر تعميمه على جميع موظفي الدولة بلا استثناء.. وفق نماذج ترسل دورياً لهيئة الرقابة والتحقيق بحيث لا تتم الترقية إلا بها.. وذلك تفعيلاً لخاصية القانون الوقائية والتي تسبق الجريمة بإجراءات احترازية تضمن على الأقل عدم التمادي فيها. إن الإشكالية الكبرى تتمثل في غياب آلية الرقابة.. التي تأطر كاتب العدل وغيره من موظفي الدولة على الحق أطرا.. أليس الله يزع بالسلطان - وهو هنا القانون - ما لا يزع بالقرآن.. كما يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه..! ولكن دعني أتساءل يا أستاذي تركي الثنيان.. وأنت كما يعرف الجميع.. رجل القانون الحاصل على درجة الدكتوارة في الحقوق من جامعة هارفارد.. أعرق جامعات العالم على الإطلاق.. ما الذي ستفعله.. عندما تفاجأ بأكثر من 100قضية مرفوعة ضدك في المحاكم من قبل كتّاب العدل النزيهين (الغاضبين).. والذين ساءهم لغة التعميم والتهكّم التي طغت على المقال..؟! @الباحث في أنظمة العقار [email protected]