من السنن الحميدة أن يُكرم كل من قدّم للمجتمع أو للوطن أو لبني جنسه أو أمته، أو للبشرية بصفة عامة، خدمة تسهم في رفاهية وتقدّم الإنسان، وتفتح أمامه أبواب الأمل في أن الدنيا ما زالت بخير، وأن هناك من نذر نفسه لخدمة الآخرين تطوُّعاً أو من خلال واجب وظيفي، وكل من أحسن عملاً هو بحاجة للتكريم اعترافاً بفضله، وتشجيعاً لغيره، ودفعاً لليأس أو سوء الظن بأن عمل الخير لن يُذكر ويشكر، مع أن أجره عظيم عند الله، وهو سبحانه الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا. ومن أوجب الواجبات أن يُقال للمحسِن أحسنت كما يقال للمسيء أسأت، ومن أجل ذلك وجدت الجوائز التقديرية والتشجيعية، كما وجدت حفلات التكريم وشهادات الشكر والتقدير، وجميعها تعني شيئاً واحداً هو أن التكريم وسيلة حضارية وإنسانية سامية، للاعتراف بالفضل لأهله، وغالباً ما يتم اختيار المكرّمين وفق مقاييس ثابتة، تحكمها قواعد وشروط محددة، تؤهل للتكريم من قبل لجان أو هيئات أو مؤسسات معينة، يتوافر فيها قدر من النزاهة التي تحميها من الشكوك والظنون، وغالباً ما تكرّم الدول أبناءها اعترافاً بما قدّموه من جميل الأفعال، أو ما قاموا به من جهود لدعم الأنشطة التي تخدم مجتمعهم، وكذلك من يرفعون اسم الوطن عالياً بين الدول، من خلال منجزاتهم الفكرية او الأدبية أو الفنية أو الرياضية، أو غير ذلك من الأنشطة العامة التي تشرف الوطن. أسوأ ما يمكن بالنسبة للتكريم هو اعتماده على المحاباة والمجاملة أو تبادل المصالح على طريقة (شيّلني واشيلك) وهذا التوجّه ينضح من منابع الجهل وعدم الوفاء للأمانة المهنية، بل وعدم الاحساس بالمسؤولية، مما يعني أن المشرفين على هذا التكريم غير أهل لهذه المهمة، وغير جديرين بها؛ لأنه يجسِّد الجحود من ناحية، والظلم من ناحية أخرى. كل ذلك أمر مقبول ومعترف به، بل هو مطلوب كواجب وطني لا بد منه، ويحظى بالقبول الحسن من المواطن والمسؤول، بل والتشجيع أيضاً ومن قبل الجميع باعتباره مطلباً عاماً، تتساوى في ذلك المؤسسات والأفراد. لكن من غير المقبول ولا المعترف به، أن تتسرّب المحاباة أو المجاملة أو سوء التقدير لأي نوع من أنواع التكريم، فكل ذلك يجعل التكريم يذهب لغير أهله، ويحجب التكريم عمن يستحقه، وهو أمر ينطوي على معانٍ سيئة، لأنه يعبّر عن مواقف بعيدة عن التقويم الموضوعي للأمور، كما أن ذلك يبعث على الإحباط، وقد تتسرّب من خلال هذا الإحباط اللامبالاة وعدم الاهتمام، فالموظف الذي يكدّ ويكدح ويكون التقدير من نصيب زميله المهمل والمتسيّب، هذا الموظف سيجد نفسه في النهاية غير مهتمّ بعمله، ما دام التكريم يذهب لمن لا يستحقه، والحالة نفسها تنطبق على من نال التكريم وهو لا يستحقه، فلا داعي للاهتمام بعمله ما دام التكريم يصله دون جهد، وما ينطبق على المجال الوظيفي ينطبق أيضاً على العمل الإبداعي مهما كان حقله، والعمل التطوعي مهما كان مجاله، خاصة إذا تولى الإشراف على التكريم أشخاص تحكم تصرّفاتهم المحاباة وربما المجاملة أو المصالح الشخصية، وفي هذه الحالة لا يكون التكريم في غير محله فقط، بل تنتج عنه مظاهر سلبية تنعكس على انخفاض مستوى الإنتاج في الوظيفة، وكذلك عدم الرغبة في تطوير الذات من خلال الأبداع والتفوّق، ومع أن الإنسان يعمل ويتفوّق ليثبت جدارته بالمهام المسندة إليه، ولترسيخ قدمه في ميدان تفوّقه، لكنه في النهاية بحاجة إلى الدعم الإيجابي لبلوغ مرتبة أفضل في مجال نشاطه الوظيفي وغير الوظيفي، ومن أدوات هذا الدعم.. التكريم المبني على أسس موضوعية وليست عاطفية، وأسوأ ما يمكن بالنسبة للتكريم هو اعتماده على المحاباة والمجاملة أو تبادل المصالح على طريقة (شيّلني واشيّلك) وهذا التوجّه ينضح من منابع الجهل وعدم الوفاء للأمانة المهنية، بل وعدم الاحساس بالمسؤولية، مما يعني أن المشرفين على هذا التكريم غير أهلٍ لهذه المهمة، وغير جديرين بها؛ لأنه يجسّد الجحود من ناحية، والظلم من ناحية أخرى، مما يساعد على إشاعة القيم الهزيلة التي تحكم هذا السلوك وتعبّر عنه في آنٍ واحد، فمن يحصل على التكريم وهو غير أهلٍ له، لن تعنيه قيم الكرامة والشرف، وإلا لما قبل هذا التكريم وهو يعرف أنه غير أهل له، كما أن من هو وراء هذا التكريم إنما يضع سُمعته على المحكّ؛ لأنه فشل في اختيار من يستحق التكريم، حتى وإن لم يكن يعرف أن هناك من هم أحق بالتكريم، وهو في هذه الحالة كمن يقال عنه: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أَو كنت تدري فالمصيبة أعظم لذلك سيظل التكريم على عداءٍ سافر مع المحاباة، فهي عدوه اللدود؛ لأنها تشوّه سُمعته، وتفرّغه من معانيه الجميلة وأهدافه السامية، التي من أجلها وجد هذا التكريم، وبسببه وجد أولئك المكرّمون، فالتكريم والمحاباة أمران لا يلتقيان.