يقسم الدكتور طارق الحبيب المهام داخل الأسرة بين الرجل والمرأة والخادمة، فيجعل وظيفة الرجل (جمع المال)، وأظنه يقصد كسب المال، ووظيفة المرأة (التربية)، وعمل الخادمة أداء شؤون المنزل اليومية من غسل وتنظيف وغيرها!! يعلل الدكتور الفاضل تقسيمه هذا بعلتين، إحداهما أن التربية كما يراها هي من واجبات المرأة، وكسب المال من واجبات الرجل؛ لذلك على كل منهما أن ينصرف لما هو واجب عليه، أما عمل المنزل فهو خاص بالخادمة؛ لأن شغل الإنسان نفسه بأعمال البيت كالتنظيف وغسل الصحون والملابس هو في رأيه (سلوك غير حضاري)!! أما لِمَ يعده سلوكا غير حضاري، فلأنه يشغل المرأة عن تربية الأولاد والاهتمام بالزوج فتقصر فيما هو أهم، أو تطالب الزوج بأن يعاونها في أداء أعمال المنزل، وذلك من وجهة نظره أمر لا يليق ولا ينبغي أن يكون!! الدكتور طارق متحدث جذاب، لكنه في بعض المرات لا يكون مقنعا!! فهو يطالب المرأة أن تترك كسب المال للرجل وتتفرغ هي لتربية الأطفال، وهذا القول إن قبل على المستوى النظري، فإنه من الصعب قبوله على المستوى الواقعي الفعلي، ما لم تكن هناك ضمانات مالية تفرض للمرأة لتحميها متى تنكر لها الزوج!! المال قوة، وتجريد المرأة من مال يخصها يجعل المرأة ضعيفة ترتبط سعادتها بصلاح الزوج الذي تعيش في كنفه، إن كان طيبا وديموقراطي الفكر عاشت معه هانئة، وإن كان سيئا أو متصلبا متعنتا اضطرت إلى العيش معه في حالة من الخضوع والاستكانة والرضا بكل ما يقول ويفعل خشية هدم البيت والتشرد. إن المرأة تحتاج إلى مصدر دخل خاص بها يعطيها استقلالا ماديا يحفظ لها القوة المعنوية، فلا تضطر إلى القبول بحياة مهينة أو تعيسة لمجرد أنها تحتاج إلى من يؤويها وينفق عليها. وما يقوله الدكتور طارق قد أقبله لو كانت هناك أنظمة تحمي المرأة متى وقع نزاع بينها وبين الزوج وقررا الانفصال أو قرر هو وحده تركها، أما أن لا يكون هناك أي نظام يحفظ للمرأة حقا في مال الزوج بعد الطلاق، فإني أرى المرأة تغامر بأمان مستقبلها المادي متى تخلت عن كسب المال وتفرغت لتربية الأطفال، قد تكون من المحظوظات اللاتي ارتبطن برجال طيبين، وقد تكون من الشقيات اللاتي يأخذهن الرجل (لحما) ويرميهن (عظما)، فتعيش على صدقات الإخوان والأقارب أو الضمان الاجتماعي، ويعيش معها الهوان وفقد الكرامة. إضافة إلى هذا، من قال إن تربية الأولاد هي مسؤولية الأم وحدها؟! إن قلنا بجواز ذلك في السنوات الأولى من حياة الطفل حين يكون في حاجة إلى الرضاعة والرعاية الجسدية، فإنه من الصعب القول بهذا متى كبر قليلا وتجاوز تلك المرحلة، فالطفل يحتاج إلى أن يلمس الحنان والحب والدفء عند أبيه كما يلمسه عند أمه، ويحتاج إلى مرافقة أبيه كما يحتاج إلى مرافقة أمه. أخيرا، أن يخدم الإنسان رجلا أم امرأة نفسه ليس سلوكا غير حضاري، كما وصفه الدكتور طارق الحبيب، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام (يغسل ثوبه ويرقع دلوه، ويعلف شاته، ويقم بيته، ويخصف نعله). حقا، هناك بعض الناس الذين يؤدون أعمالا أكبر من أعمال البيت ووقتهم لا يسمح لهم بخدمة أنفسهم فيستأجرون من يعينهم عليها، لكن هذا لا يعني مطلقا أن من يغسل صحونه وينظف بيته يقوم بسلوك غير حضاري!!.