خلصت الدراسة التي طرحت في منتدى الرياض الاقتصادي عن الفساد إلى أنه ينتشر في المستويات العليا والمتوسطة أكثر منه في الدنيا، وأن هذا الفساد يتمحور حول «الواسطة» بنسبة 92%، واستخدام النفوذ بنسبة 80%... إلى آخر ما جاء في الدراسة. ورغم أنني لم أطلع على نص أو تفاصيل الدراسة إلا من خلال ما قرأت عنها، لكنني في الحقيقة توقفت عند عبارة هامة تقول إن أسباب انتشار الفساد يعود إلى ضعف الوازع الديني بنسبة 87%، وهي عبارة خطيرة جاءت في ثنايا الدراسة، دون أن يدرك الباحث أبعاد هذا الاكتشاف الذي يتجاوز في خطورته كل أرقام ومؤشرات الفساد نفسه، والذي كان هو مبحث هذه الدراسة. خطورة هذه النسبة تكمن في كونها جاءت ضمن دراسة ممنهجة ومحكمة وليس انطباع عام!! إذا كان الوازع الديني ضعيفا إلى هذه الدرجة في المملكة، فأين هو الوازع الديني، إذن؟ هل يعقل، في بلد الخصوصية والمناهج الدينية، وبلاد الحرمين الشريفين وتطبيق الشريعة الإسلامية وكل هذا الكم من المنابر والمحاضرات والتسجيلات والمعاهد والجامعات الإسلامية، أن نكتشف فجأة أن الوازع الديني لا يتجاوز 12% (؟)، وأنه أبرز أسباب الفساد!! الأمر الثاني، على فرضية صحة ما توصل إليه الباحث بضعف الوازع الديني أو قوته فكيف نفسر قائمة منظمات الشفافية العالمية في قياس درجة الفساد، والتي تتصدرها دول وشعوب لا يوجد وازع ديني في قاموسها، وكيف نرد به على صاحب الدراسة؟ ما علاقة ضعف أو قوة الوازع الديني بعمل مؤسسي يعتمد بالدرجة الأولى على الشفافية وتفعيل مؤسسات الرقابة المالية وسن أنظمة وعقوبات مقننة، كما هو قائم في كل دول العالم.