في مطار جدة وفي أغلب مطاراتنا ..يأتيك أصحاب الليموزينات الخاصة أو «الكدادون» ويهمسون بصوت «خافت» وبريبة تملأ صوته عن المكان الذي أود أن أذهب إليه.! وكأنه يرتكب خطأ. لن أتحدث عن ما شاهدته من تنظيم لهذه المسألة في مطارات الدول التي زرتها ولكنني سأقف بجانب العم سعيد وأصدقائه من الكدادين.. و«سعيد» هذا.. هو كداد بسيط وجدته في الساحة الخارجية لمطار جدة خائفا ومرتبكا كبقية أصدقائه لكي لا تقع عليهم عين رقيب ما.. كان قد ملئ بالوقار مما جعلني اختاره دون غيره من بقية الكدادين.. اتفقت معه على المكان الذي أود الذهاب إليه وعلى السعر الذي وافقت عليه دون مجادلة.. بادرته بسؤالي عن السبب الذي يجعلهم بهكذا صورة.. أجابني بأن أمن المطار يقوم بسحب السيارة وإيقافها لمدة خمسة عشر يوما في حال اكتشافه لذلك..! قلت له ولماذا لا تحترمون النظام إذن؟ لكن سؤالي وكأنما انطق لسانا كان مكلوما..! العديد من الآلام التي تدفقت من لسانه التي لم تقف إلا حين أدركت مكاني الذي أريد.. في الحقيقة أنني وجدته «مغلوبا على أمره» كغيره من الكدادين مما جعله يتحايل على هذا النظام الموجود في المطار! فهو قبل ذلك لم يكفه الراتب التقاعدي «غير المتواضع»..! وأقول «غير متواضع» لأنه أدنى من التواضع بكثير!! كيف يكفيه راتبه التقاعدي وهو الذي يصرف منه على عائلته متحديا به ارتفاع وغلاء المعيشة وزيادة الالتزامات الضرورية للعيش..؟ كيف يكفيه راتبه التقاعدي وهو الذي يسدد به إيجار المنزل الذي استأجره بانتظار قطعة الأرض الذي أصبح يحلم بها بعد مرور سبعة عشر عاما من تقديمه عليها..؟ كيف يكفيه راتبه التقاعدي وهو الذي ملتزم أيضا بتوفير وايت الماء كل أسبوعين في بيته القابع في جنوبجدة؟ «العم سعيد» تخلى عن الكثير من أحلامه حتى يحاول أن تستمر حياته مع عائلته.. حتى حلم ابنته الأكبر «سارة» بدراستها للطب تحول إلى سراب في ظل ذلك الراتب التقاعدي!!.. ليس نظام المطار فقط.. لقد تجاوز العم سعيد العديد من الأنظمة من أجل توفير لقمة العيش.. بعد نزولي من سيارة «العم سعيد» أدركت أنهم بحاجة إلى نظام يكفل لهم عيشا هنيئا ومتى ما توفر ذلك النظام.. سيجد العم سعيد نفسه في بيته الذي يمتلكه ولن ينقطع الماء عنه وسيحقق الكثير من أحلامه الذي كان يحلم بها.. وسيساعد «سارة» وإخوتها على تحقيق أحلامهم.. فيصل إبراهيم عقيلي