هادئ كعادته في عالم مضطرب.. ومتماسك في زمن متحرك وصاخب.. في الدور العاشر بمقر منظمة التعاون الإسلامي بجدة يجتمع مع مساعديه ويطلع على تقارير وأجندة المنظمة المثخنة بالقضايا المزمنة والتي تراوح مكانها.. البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى أمين عام منظمة التعاون الإسلامي تحدث ل«عكاظ» بصراحة في حوار وداعي عن وضع منظمة التعاون الإسلامي قائلا «إن المنظمة أصبحت طرفا لا غنى عنه على المستوى الدولي في العديد من المجالات وأصبح صوتها مسموعا في العديد من القضايا الدولية وتم تشكيل كتلة اقتراع إسلامية قوية لمتابعة قضايا الأمة في الأممالمتحدة». وكشف إحسان أوغلى أن رئيس النظام السوري نكث بوعده الذي قطعه أمامه لوقف العنف الذي تمارسه قواته ضد الشعب السوري. وعن اعتذار المملكة عن قبول عضوية مجلس الأمن قال إن الموقف السعودي سيحدث حراكا كبيرا في المستقبل في عملية إصلاح مجلس الأمن وذلك بتعزيز شفافيته ومساءلته وتمثيله. وفيما يلي الجزء الأول من الحوار: بداية كيف تنظرون لقرار المملكة التاريخي بالاعتذار عن قبول عضوية مجلس الأمن؟ في الحقيقة، إن اعتذار المملكة عن قبول عضوية مجلس الأمن بسبب عجزه عن تحمل مسؤولياته في صون السلم والأمن الدوليين وخاصة إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وكذلك الأزمة السورية بكل تبعاتها الإنسانية وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، ويعكس حرص المملكة على تحقيق الإصلاح المنشود لأجهزة الأممالمتحدة وخاصة مجلس الأمن وهو الموقف الثابت الذي مافتئت منظمة التعاون الإسلامي تؤكد عليه في كافة القرارات الصادرة عن القمم الإسلامية والاجتماعات الوزارية للمنظمة. وفي رأيكم كيف يمكن أن يساهم هذا القرار في تفعيل آليات مجلس الأمن خاصة فيما يتعلق بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا الأمة الإسلامية وإخراج مجلس الأمن من دائرة تأثير القوى الكبرى عليه؟. في تقديرنا، أن الموقف السعودي سيحدث حراكا كبيرا في المستقبل في عملية إصلاح مجلس الأمن وذلك بتعزيز شفافيته ومساءلته وتمثيله وتحقيق ديمقراطيته لكي يتمكن من الاضطلاع بدوره كاملا في صون السلم والأمن الدوليين وفقا لميثاق الأممالمتحدة. كما أنه سيدفع المجلس للتعاطي بإيجابية مع قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وفي الواقع، فإن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لها مصلحة مباشرة وحيوية في إصلاح الأممالمتحدة وقد طالبت من قبل بالتمثيل المناسب لها في المجلس بما يتماشى مع وزنها الديموغرافي والسياسي، وبما يتفق ونسبة عضويتها في الأممالمتحدة ولضمان تمثيل الأشكال الرئيسية للحضارات في المجلس. وفي جلسة مجلس الأمن الدولي الخاصة بتعزيز الشراكة والتعاون بين الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في نيويورك في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، أكدت على أن موقف المنظمة الثابت إزاء إصلاح مجلس الأمن الدولي، يستلزم التأكيد على التمثيل العادل للدول الأعضاء في المنظمة في المجلس، خاصة أن (التعاون الإسلامي) تضم في عضويتها 57 دولة تمثل أكثر من مليار ونصف المليار شخص في جميع أنحاء العالم. إذن كيف يمكن تفعيل دور المجموعة الإسلامية في الأممالمتحدة لكي يصبح لها صوتا مسموعا؟. في الواقع، إن المنظمة بذلت جهدا كبيرا في تنسيق أنماط تصويت الدول الأعضاء في المحافل الدولية وخاصة في مقري الأممالمتحدة في نيويوركوجنيف حيث تم تشكيل كتلة اقتراع إسلامية قوية بشأن القضايا ذات الأهمية الحيوية لنا. وقد برز ذلك في التصويت على القضايا التي تهم العالم الإسلامي في هذه المحافل وخاصة القضية الفلسطينية والإسلاموفوبيا. لقد شهدت القضية الفلسطينية تطورا مهما تمثل في اعتراف الأممالمتحدة بدولة فلسطين ورفع مكانتها إلى دولة غير عضو، وهو إنجاز تاريخي ما كان له أن يتحقّق لولا التصميم وقوة الإرادة وحسن التنسيق وتكامل الجهود على مستوى المجموعة الإسلامية في الأممالمتحدة، حيث بذلت منظمتنا، انطلاقا من واجبها الذي تحرص على أدائه، جهودا حثيثة لدعم مسعى فلسطين لتوسيع دائرة الاعتراف الدولي بها. وبفضل هذه الجهود بلغ عدد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي صوتت لصالح القرار 53 دولة من ضمن الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي وبالأممالمتحدة. وكان لجهود المجموعة الإسلامية أيضا الدور الأساسي في تصويت الدول الأعضاء لعضوية فلسطين في اليونسكو. وستستمر مساعينا لتعزيز عمل المجموعة الإسلامية في الأممالمتحدة لتواصل جهودها في نصرة القضايا الإسلامية على الصعيد الدولي. تحقيق تطلعات السوريين هل تعتقدون معاليكم أن «جنيف 2» هو الإطار الأمثل لحل الأزمة السورية. وهل ستشارك المنظمة في مؤتمر «جنيف 2» وما هي رؤيتكم لحل الأزمة التي تجاوزت السنتين؟. إن التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يعتبر المخرج الوحيد الضامن لإنهائها بما يحقق التطلعات المشروعة للشعب السوري، وهو هدف إسلامي ومبتغى المجتمع الدولي بأسره، إلا أنه مازالت تكتنفه العقبات المعروفة للجميع. وقد دعمت المنظمة في هذا الصدد التوجه الدولي الرامي إلى عقد مؤتمر جنيف في إطار المبادئ المتفق عليها في بيان جنيف لعام 2012. ومع تأكيد تمسكنا بالحل السلمي للأزمة السورية، فإننا نؤكد على مسؤولية المجتمع الدولي وبالأخص مجلس الأمن في تحمل مسؤولياته واتخاذ الإجراءات العاجلة لوقف القتل والتدمير والتشريد المسلط على الشعب السوري منذ سنتين. هناك شعور بأن منظمة التعاون لم تتحرك بشكل جدي لحل مأساة الشعب السوري ما هو تعليقكم؟. أعتقد بأن هذا الوصف غير دقيق، فإذا رجعنا للوراء نجد أن المنظمة كانت من أولى المنظمات التي سعت لاحتواء الأزمة السورية قبل وبعد اندلاعها. فقبل النزاع المسلح أكدت لرئيس النظام السوري في عدة لقاءات وحوارات على أهمية الحوار مع المعارضة الوطنية للتوصل إلى توافق في الآراء حول القضايا الوطنية. وبعد اندلاع الثورة السورية أرسلت رسالة له عبر مبعوث خاص أكدت فيها على ضرورة التجاوب مع المطالب الشعبية وأن الأسلوب الأمني لن يساعد في احتواء الأزمة، بل إنه يؤدي إلى المزيد من سقوط الضحايا وتعقيد الموقف الداخلي بما يفضي إليه ذلك من انعكاسات سلبية على الموقف الإقليمي والدولي الذي يرفض هذا الأسلوب. وبالرغم من الوعود التي تلقيناها من النظام السوري بوقف العنف إلا أنها استمرت في سياسة القمع ضد الشعب السوري وكانت النتيجة وصول الأزمة السورية لمنعطف الحرب الأهلية بكل أبعادها الإنسانية. فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.. ما هي الجهود التي تبذلونها لاستعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة على المستوى الدولي؟. تحتل التطورات في فلسطين صدارة اهتمامات المنظمة على المستوى الدولي، حيث تتصدر القضية الفلسطينية جدول أعمال كافة الاجتماعات والمشاورات واللقاءات التي نجريها مع القادة والمسؤولين على الصعيد العالمي، وتواصل المنظمة جهودها على مستوى المنظمات الدولية، لاسيما الأممالمتحدة؛ من أجل حشد الدعم الدولي للحقوق الفلسطينية الثابتة والدفاع عنها، وإدانة سياسة التهويد الإسرائيلية في القدس الشريف والتصدي لها. وبذلت المنظمة جهودا حثيثة مع عدد من الدول لضمان توسيع دائرة الاعتراف الدولي بها، حيث كان للجهود التي بذلتها المنظمة ودولها الأعضاء الأثر المحمود في نيل فلسطين العضوية الكاملة في اليونسكو وكذلك الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومازالت منظمة التعاون الإسلامي ملتزمة بموقفها الثابت والداعم للشعب الفلسطيني في كل المحافل الدولية من أجل تمكينه من ممارسة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها تجسيد إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. هل هناك تحرك من قبل المنظمة لإتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسامات الداخلية في البيت الفلسطيني؟. فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، فقد كانت المنظمة سباقة في بذل الجهود للتواصل مع الفرقاء الفلسطينيين منذ بداية الخلافات الداخلية في العام 2006، ونحن نحرص دائما على التواصل والتشاور مع القيادة الفلسطينية، ومستعدون لبذل أي مساع من شأنها تذليل ما تبقى من عقبات في وجه المصالحة الوطنية الفلسطينية. منظمة التعاون كانت لها المبادرة الأولى لدعم مسلمي الروهينجيا حيث قام وفد من المنظمة بزيارة للمناطق المنكوبة.. ولكن هذه الجهود تقلصت في المرحلة الماضية.. هل مازالت قضية الروهينجيا؟. سيناقش الوفد الوزاري إضافة إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين ميانيمار ودول منظمة التعاون الإسلامي قضية مسلمي الروهينجيا الذين يتعرضون منذ ما يزيد على خمسين عاما إلى عمليات قمع وتنكيل وتشريد بالإضافة إلى قيام حكومة ميانيمار في عام 1982م بإصدار قانون نزع الجنسية البورمية منهم في سابقة هي الأولى من نوعها. وقد صنفت الأممالمتحدة مسلمي الروهينجيا باعتبارهم من أكثر الأقليات العرقية اضطهادا في العالم وطالبت في قراراتها بإعادة المشردين إلى وطنهم وإعادة جنسيتهم باعتبارهم أحد المكونات الرئيسية لشعوب ميانيمار. وأدان المجتمع الدولي استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ضد مسلمي الروهينجيا وطالب حكومة ميانيمار بإعادة كافة حقوقهم باعتبارهم مواطنين لهم كافة حقوق المواطنة دون تأخير. وتأتي هذه التطورات الإيجابية والتي تمثلت في قبول حكومة ميانيمار لزيارة وفد إسلامي رفيع المستوى إلى رانجون بعد جهود مضنية واتصالات مكثفة قامت بها منظمة التعاون الإسلامي منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، وحيث كانت ولازالت قضية مسلمي الروهينجيا من ضمن القضايا الرئيسية في جدول أعمال المؤتمرات الإسلامية على مستوى القمة والوزاري واتخذت بهذا الصدد العديد من القرارات، وكانت بعثة من المنظمة قد قامت بزياتها الأولى إلى ميانيمار في الفترة من 5-15 سبتمبر 2012م. وتمكنت من زيارة منطقة أراكان وتفقدت أحوال مسلمي الروهينجيا ورفعت تقريرا بذلك إلى المؤتمر الوزاري التاسع والثلاثين الذي عقد في جمهورية جيبوتي العام المنصرم. وتنفيذا للقرارات الوزارية، فقد ساهمت المنظمة في إنشاء اتحاد مسلمي أراكان في مايو 2012م الذي ضم في عضويته كافة المنظمات والمؤسسات والشخصيات الهامة من مسلمي الروهينجيا في اتحاد واحد. وعقد الاتحاد اجتماعا له في يونيو 2013م، وتم انتخاب السيد وقار الدين محمد رئيسا له لمدة سنتين وانتخبت أيضا لجنة تنفيذية مركزية للعمل على استعادة كامل حقوق مسلمي الروهينجيا بالتعاون التام مع المجتمع الدولي والدول الإسلامية.