ترتعش مفاصلي عند ذكر الموت أو خلال مروري بالقرب من مقبرة، فأنا لا أريد الموت أو حتى سماع لفظه.. هكذا انسابت الكلمات على لسان محاسن راجي، وهي واحدة من بين الكثيرين الذين يخشون الموت رديف الحياة وسنة الله في الكون، خاصة أن الحياة والموت وجهان لعملة واحدة إلا أن البعض لديه رعب من الموت والأموات والقبور يصل لدرجة الهستيريا حتى أنك تجد من لا يريد سماع لفظ موت وهذا في الغالب ناتج عن ضعف الإيمان أو لمرض نفسي مزمن. غالبا ما يرتبط هذا الخوف بحادث أو موقف أو واقعة محددة حصلت للفرد سواء كان في طفولته أو شبابه أو في مرحلة متقدمة من عمره.. وبما أن لكل قصة من قصص الخشية من الموت تفاصيل .. «عكاظ الأسبوعية» استمعت لقصص المرعوبين من الموت وهذه بعضها. رائحة غريبة تقول محاسن راجي إن جذور حالة الفزع والخوف من الموت بدأت تؤرق مضاجعها منذ السبع سنوات حين توفي جدها وتضيف «طلبت من والدي رؤية جدي ولم يخبرني أحد أنه مات ولم أر ميتا من قبل، وعند وصولنا دار جدي رأيته مسجى على سريره ملفوفا بقماش أبيض فصرخت وهممت بالخروج فأجبرتني والدتي أن أبقى، وكلما حاولت الخروج تبقيني أمي بالقوة ثم أخذت بيدي تجرني نحو جدي لأقبله وأنا أقول لها أني خائفة بل كانت تمسك برأسي وتدفعني نحوه، حتى أنها ضربتني فقبلته وشعرت بتلك البرودة في جسده ورائحة غريبة لم آلفها، ثم خرجت مسرعة». وزادت «سمعت بعض النساء يقلن الله يرحمه من نار جهنم، فعرفت في ذلك الوقت انه سيذهب للنار ولم أعرف وقتها أن هناك جنة وليس كل ميت هو في النار وظلت هذه القناعة تلازمني حتى اليوم وأنا في عقدي الثالث»، مشيرة إلى أنها عرفت بعد أن كبرت أن هناك جنة ونارا وليس كل ميت مثواه النار. وختمت محاسن بالقول «أحاول إخفاء رعبي الشديد من الموت أمام أبنائي إلا أنني كثيرا ما أعجز، وتجدني أحيانا أبكي خوفا من الموت، فبرودة ورائحة جدي تلازماني ولا أستطيع مراجعة طبيب نفسي لأن هذا يعد عيبا في نظر المجتمع، ولا أعرف كيف يمكن التخلص من هذه الحالة المرضية». والدي السبب ورغم بلوغ مزن حامد عامها ال40 ولها أسرة وأبناء، إلا أنها تخشى الموت إلى درجة لا تغادر فيها منزلها خوفا من تعرضها لحادث مروري أو أي حادث عرضي يعرض حياتها لخطر الموت، وبينت أنه ولشدة خوفها من الموت لا تود رؤية مشهد الجنازة أو الذهاب لبيت العزاء وإذا تحدث أحد عن الموت وأسهب في الحديث يغمي عليها، وقالت «للأسف أن والدي هو السبب في ذلك، فعندما كنت في السادسة من عمري كسرت طقم اكسسوار وأنا ألعب في المنزل، فضربني وثار لأن الطقم باهظ الثمن ثم أخذ يجرني للسيارة وأنا لا أعرف أين سأذهب حتى وصلنا إلى فناء كبير كله تراب فظللت واقفة مع والدي حتى رأيت مجموعة من الناس يحملون شيئا ويدخلون الفناء فأدخلني والدي وهو يجرني من يدي، فرأيت الرجال يرفعون الغطاء لأرى تحته قماشا أبيض ثم أنزلوا الميت للقبر، وأنا أنظر في ذهول وجهل وبعد أن انتهت إجراءات الدفن أخذني والدي إلى السيارة وضربني بقوة وقال لي «إذا عبثت في المنزل مرة أخرى سوف تموتين مثل ذلك الرجل ونضعك في تلك الحفرة، وبعد مغادرة الجميع تأتيك الأفاعي والعقارب ثم تذهبين للنار لتحترقي فيها، ومنذ ذلك اليوم ومشهد الميت والمقبرة والقبر لا يفارقوني فأراه وأنا مستيقظة وأراه في أحلامي، ولا أستطيع الهرب منه فقد حول والدي حياتي إلى جحيم حقيقي». أما سامية أحمد (45عاما) فلا تعرف سبب خشيتها الشديدة من الموت وتقول «أشعر بالحرج الشديد عندما أضطر لحضور مناسبات العزاء خاصة إذا كان الميت قريبا وتبدأ الأحلام تلاحقني فأرى الميت ونارا وثعابين، وأتخيل الميت يحاول أخذي معه وطوال فترة وجودي في منزل العزاء لا آكل أو أشرب أي شيء، خوفا أن يأتيني الميت ويأخذني معه لأني أكلت من طعامه». وتابعت «أعرف بأن الموت حق، وأعرف كذلك أن هناك أمواتا منعمين وأعرف بأن الآخرة ليست نارا فقط، ولكني أرتعد خوفا عند سماع أي كلمة تخص الموت وقد راجعت طبيبا نفسيا وخضعت للعلاج لمدة عام ولم أجد تحسنا، وما زال هذا الشعور يلازمني ولا أعرف له سببا». رعب شديد وللتأكد من مقولة «الرجل أكثر شجاعة من المرأة في كثير من المواقف»، كان لا بد من الاستماع لبعض قصص الرجال مع الموت، حيث ذكر عبدالمحسن زاهد بأن الموت حق وليس لديه مشكلة في هذا، ويضيف «توفي صديقي وكنت ممن أنزلوه القبر وهي المرة الأولى التي أنزل فيها لقبر، ومضت أيام العزاء وبعد عشرة أيام من الوفاة أصبحت أرى حلما واحدا يتكرر يوميا مضمونه أن صديقي وسط نار لم أر مثلها في حياتي، وكان يصرخ ويستغيث، ومنذ ذلك الحلم وأنا أعاني من رعب شديد من الموت، وكلما زاد عدد مرات الحلم زاد رعبي، ولم أعرض نفسي على طبيب لأني أعرف بأنه لا يستطيع نزع ذلك الإحساس مني فهو يسكن داخلي يقتلني في كل لحظة». ولخشيته الشديدة من الموت، دائما ما يتعرض عمر سعيد لاستهجان الأصدقاء حتى قطع صلته بهم وانزوى بنفسه، وقال «كان عمري خمس سنوات وأنا ألعب مع أختي فضربتها فأخذني والدي إلى غرفة فوق السطح ووضعني فيها وقال لي إن ملك الموت سوف يأتي الليلة ليأخذك ويضعك في النار، ووصف لي صورته بطريقة مرعبة ثم فصل التيار الكهربائي وأغلق باب الغرفة بالمفتاح وتركني فعشت كل ثانية أتخيل من أين سوف يدخل، ومنذ ذلك اليوم أخشى الظلام ولا أستطيع سماع شيء عن الموت حتى أني أصبحت أضحوكة لإخوتي وهذا بسبب والدي». ويوجه إبراهيم إسماعيل (40 عاما)، أصابع الاتهام لأخيه فيما هو عليه من خوف ورهبة، وأوضح أنه كان في السادسة من عمره عندما حضر شقيقه ومعه شريط فيديو لفيلم رعب، حيث أطفأ الأنوار وأدار الشريط فكان أول الفيلم يجسد الموت، فحاولت مغادرة المكان إلا أن أخي كان يجلسني عنوة ومن ذلك اليوم وأنا أرتعب من سيرة الموت أو أي شيء له صلة به، وخضعت للعلاج لدى عدة أطباء ولكن دون جدوى. حالة مرضية وذكرت هنا الأخصائية الاجتماعية نورة محمد، بأن الخوف نوعان: خوف طبيعي لدى كافة البشر من أشياء محددة لا تتعدى نقطة معينة، وخوف يتجاوز الحد الطبيعي يصل أحيانا لحالة مرضية، وغالبا ما يرتبط هذا الخوف بحادث أو موقف أو واقعة محددة حصلت للفرد سواء كان في طفولته أو شبابه أو في مرحلة متقدمة من عمره، وهنا على الفرد مواجهة هذا الخوف باللجوء إلى طبيب أو صديق للخروج من أزمته. وأردفت «غالبا ما تكون الأسرة هي أساس عقدة الخوف، حيث يلجأ أحيانا الوالد أو الوالدة لتخويف أبنائهما في سن الطفولة من أشياء بطريقة مبالغ فيها، فيستقر ذلك في العقل الباطن، وتزيد حدته مع الوقت حتى يصعب على الإنسان نفسه السيطرة على هواجسه، لذا على الأسر أن تعي أن أسلوب العقاب لا بد أن يكون مدروسا بشكل جيد ولا يتجاوز الحد الطبيعي حتى لا يتحول إلى عقدة تلازم الإنسان». وأضافت: يعد الخوف من الموت أحد المخاوف التي يعاني منها البعض مثله مثل الخوف من المرتفعات أو الظلام أو ركوب الطائرة أو السفن، وإذا تجاوزت هذه المخاوف الحد الطبيعي فهذا يؤكد أن الشخص تعرض لصدمة أو موقف غير صحيح في طفولته فترسخ داخله الخوف من شيء محدد، مؤكدة بأن الحل من وجهة نظرها يبدأ بقناعة الشخص نفسه أولا بحيث يكون لديه نية التخلص من هذا الشعور ثم اللجوء إلى طبيب نفسي ليساعده على تخطي هذا الإحساس، وإذا كانت فكرة الطبيب النفسي مرفوضة لدى البعض يمكن اللجوء لصديق يمتلك أسلوبا قويا في الإقناع حتى يستطيع مساعدة الطرف الآخر.