دعونا نتفق على دور المرأة وفاعليتها في مجتمعها ودورها المثالي في التربية والحضانة وتحمل مسؤوليات الأسرة من كافة جوانبها ومشاركتها إلى جانب الرجل في البناء .. ويتعاظم دور المرأة العاملة أكثر من غيرها في المواءمة بين مسؤوليات البيت والعمل والرعاية وهو الأمر الذي يجعلها تحتاج للمساعدة من الآخرين فلديها مسؤولية مزدوجة بين البيت العمل، وتريد إنجاز كليهما على الوجه الأكمل، بيد أن الصعوبات تقف في وجهها بين الفينة والأخرى، خاصة إن لم تجد من يعينها على ذلك وهي «حاضنة الأطفال»، فعندما تهم بالذهاب إلى دوامها اليومي تقف حائرة، وهذا ما شكت منه أغلب النساء العاملات ل «عكاظ» وقلن إن ظروف العمل تحتم عليهن الاستعانة بخادمات مؤهلات ليكون لهن دور الأم في المنزل، ولكنهن يعانين من عدم توفرهن، وبالتالي يعشن في كابوس من الصعب الفكاك منه. بيئة مناسبة مريم العنزي (معلمة) تقول إن أي امرأة عاملة تحتاج إلى بيئة مناسبة لكي تؤدي ما عليها من واجبات على أكمل وجه، خاصة الأم التي تترك فلذات أكبادها خلفها لتقوم بواجبها ومطلوب منها في ذات الوقت عطاء غير محدود على كافة الأصعدة، فالمعلمة مثلاً مطلوب منها التعامل المثالي مع طالباتها واعتبارهن مثل بناتها بالضبط، ولكنها عندما تكون مشتتة بين المنزل والمدرسة ترهق نفسياً وذهنياً ولا تستطيع أداء عملها كما ينبغي، وقالت إنها عاشت تجربة مماثلة من قبل عندما كانت بدون خامة في المنزل، حيث استمتعت بوقتها مع أسرتها أثناء فترة الإجازة ولكن عندما بدأ العمل باتت تعاني من تشتت أبنائها، وأضافت «البعض منهم كنت أتركهم مع جارتي والآخرين أرسلهم للروضة والحقيقة عانيت كثيراً وقتها لأن أطفالي صغار وكنت اضطر للخروج بهم في الأجواء الباردة ما عرضهم للأمراض، كما أنني طوال وقت الدوام أعيش في قلق جراء هذا الأمر وأفكر في أن أحدهم قد يتعب لا سمح الله وهو بعيد عن عيني وفي ظل تلك المعاناة وجدت نفسي مضغوطة جداً وخشيت التقصير في واجبي تجاه أسرتي أو عملي ولكني بذلت جهداً كبيراً للتوفيق بين الإثنين»، مشيرة إلى أنها تستطيع العيش بدون خادمة في حالة وجود حاضنة في المدرسة التي تعمل بعمل لتترك معها أبناءها وتكون في غاية الاطمئنان وتؤدي واجبها بصورة ممتازة لأنهم في أيد أمينة، ما ينعكس على أدائها ومعنوياتها وراحتها النفسية. الاختيار الصعب المعلمة بشرى الشمري وطفلها سالم جسدا معاناة الأمهات العاملات، بقصة مؤثرة كما تقول والدته، التي خيرت ما بين البقاء معه تكمله فرحتها بعقد عمل جديد مع إحدى المدارس، وتحكي قائلة «ما إن جاء خبر تعاقدي وتسلل الفرح إلى قلبي، حتى بدأت الصعوبات تقف في وجهي، لأن ظروف عمل زوجي وطفلي الصغير الرضيع وعدم وجود حاضنة في البيت أو المدرسة أمور شتت ذهني وأرهقت تفكيري، حتى بت عاجزة عن الحل، فأين سأترك طفلي وقت الدوام؟ فهذا السؤال لم أجد له إجابة في ظل عدم وجود حاضنة، لكن الله رزقني بمديرة متعاونة كانت تسمح لي باصطحابه أحيانا مراعاة لظروفي، ولكني وجدت في الأمر صعوبة أيضاً لأنه لا يمكن وجوده معي في كل الأوقات وكذلك لايوجد من يرعاه في المدرسة أثناء تأديتي لواجبي، كما أني لا بد أن أثبت وجودي لأحصل على التثبيت، تعبت نفسياً وأرهقت جسدياً واشتكيت همي لأهلي، لتفاجئني أمي بأخذ طفلي معها، وما أن خرجنا من المنزل أحسست بتوقف الحياة وعانيت بعد ذهابه كثيراً وأصبح الألم يتضاعف بغياب رضيعي عن حضني، ولم أكن استطع زيارته كل أسبوع بسبب بعد المسافة 1000كم، مرت الأيام وقلبي يحن لرؤية طفلي سالم وما أن انقضى الفصل الدراسي الأول حتى ذهبت لرؤيته، أول ما رأيته انهرت مباشرة واستمريت بالبكاء أما هو للأسف لم يعرفني!! وهذا ما أبكى الجميع، وبعدها عدت وأخذته معي وسعيت بجهد حتى حصلت على خادمة، ولم تكن لتحصل تلك المعاناة لو كان هناك حضانة بالمدرسة، وعن نفسي لن أستغني عن طفلي مجدداً حال وجدت الصعوبات ولو تركت العمل نهائيا». موقف محرج تقول المعلمة عبير، إنها تعرضت إلى موقف محرج للغاية، عندما حصلت على عمل فرحت به كثيراً، ولكن فرحتها بالوظيفة لم تدم طويلاً ليس لأنها رفضت من جديد، بل لأن الحياة منحتها قرة عين لها وأنجبت طفلاً غير مجرى حياتها، لتكون مطالبة بمراعاته وهي سعيدة به كما قالت وفي ذات الوقت تقوم بواجبها كما هو مطلوب منها في المدرسة، ما جعلها بين أمرين أحلاهما مر، لأن طفلها فلذة كبدها يحتاج لها ومستقبلها يحتاج منها لجهد كبير، وتزيد «احترت ماذا أفعل وأين سأترك ابني وقت الدوام في ظل عدم وجود حاضنة في المنزل، بادئ الأمر أرسلته لجارتي ولم تقصر في رعايته وبعدها أرسلته للروضة، لكن للأسف كانت الأخيرة غير مهيئة لاستقبال الرضع ولا يوجد بها قسم حضانة، وبالرغم من تعاون المشرفة معي باتفاقنا مع إحدى السيدات لتأتي وتعتني بالطفل في الروضة وتخصيص مكان له مع مجموعة من الأطفال الرضع، بيد أن ضعف الإمكانيات اضطرنا للبحث عن مكان أفضل ونقلته عند إحدى السيدات لتعتني به في غيابي والحمد لله لم تقصر وكانت أمينة جداً، ولا أخفي عليكم سراً أني محرجة للغاية من الموقف لأنني مقصرة في حق طفلي وفي ذات الوقت لا يمكن أن أخرج به للعمل كل صباح ودبرت أمره بهذه الطريقة»، متمنية أن يكون هناك حضانات بالمدارس لكي لا تعاني المعلمات أثناء تأدية واجباتهن تجاه المجتمع وأبناء الآخرين، لأن الراحة النفسية أهم من كل شيء لتقوم كل منهن بواجبها، خاصة أن الأبناء أغلى ما يملكن وراحتهم من راحتهن. الحد من البطالة أم شهد ترى أن المرأة العاملة تستحق الاحترام والتقدير وأن يمد لها المجتمع يد العون في كافة المجالات التي تعمل بها، فضلاً عن إراحتها معنوياً، لتعطي كل ما عندها خاصة في مجالي التعليم والطب لأنها تنفي الجهل عن عقول الأطفال وتضمد جراح الآخرين، أو ممرضة تسهر على راحة المرضى وعاملة تسعى لرزقها وكف يدها عن السؤال، لذا فالواجب على الجميع احترامها ومساعدتها بقدر معلوم، وزادت المرأة تخرج لخدمة المجتمع وتترك مسؤولية رعاية أبنائها ولو أننا سمعنا كلام بعض الأزواج بترك العمل والتفرغ للمنزل والأبناء وتخلينا جميعاً عن حمل المسؤولية تجاه المجتمع، فمن يا ترى سيتحملها؟، من جهتي أرى أنه من الواجب إلحاق حضانة وروضة بكل مدرسة لاحتواء أبنائنا وبالتالي نطمئن عليهم لأنهم موجودون بالقرب منا ونتمكن من أداء عملنا براحة تامة وكفاءة عالية. توافقها الرأي كل من مريم العنزي وبشرى الشمري، حيث يرين أنه من الأهمية بمكان وجود حضانات وروضات كمرافق رئيسية لكل مدرسة، وأن تدار بأيد سعوديات لأنهن الأجدر بالمسؤولية من غيرهن، لتحقيق جانب الاستقرار النفسي للمعلمة وضمان صحة وسلامة الأطفال، وسيكون لذلك نتائج إيجابية من وراء هذا المشروع سواء في خدمة المرأة العاملة أو الحد من البطالة النسائية، حسب قولهن لا سيما أن هناك سيدات سعوديات وفتيات لا يجدن عملاً ويبحثن عن سد حاجتهن. جرائم غير متوقعة رهف أشادت بفكرة وجود الحاضنات بالمدارس وقالت إنها فكرة سهلة التطبيق وتعود على المجتمع بتائج قد لا يتوقعها أحد، موضحة أنه في حال وجود حضانة تكون مطمئنة على طفلها أو طفلتها وإرضاعها وقت فراغها، ما يجعلها ترضي نفسها في المقام الأول وتؤدي واجباتها كاملة تجاه الاثنين «الطفل والمدرسة»، وفق راحة نفسية عالية، وأردفت «الوضع سيختلف إذا أنجز المشروع لأني حالياً أترك طفلتي مع الخادمة في المنزل ولا أعلم كيف تحضر وجبات الحليب ولا مدى نظافتها، خاصة في ظل الأحداث المستجدة من جرائم غير متوقعة أنتشرت بشكل كبير ومخيف مؤخرا». وأشارت رهف إلى المميزات التي سيحصل عليها الطفل بالحضانة سواء في مجال الصحة والسلامة أو في مجال تنمية القدرات، حيث أنها ستكون بإشراف وزارة التربية والتعليم وبكوادر سعودية لها نفس عاداتنا ونفس ديننا، بدلاً من ترك الأطفال بالمنزل مع خادمة لا نعرف حقيقة معتقداتها ولا ديانتها ولا أمانتها، فقط نسلم أبناءنا للخادمات ونخرج، ولا أحد يدري كيف سنحقق الاستقرار النفسي والإنجاز العملي في ظل هذه المشكلة، مضيفة أن أمر إلحاق الحاضنات بالمدراس ليس صعباً، مستغربة من عدم تطبيقه من قبل الجهات المختصة حتى الآن، كما تمنت أن ينظر إلى قضيتهن بشيء من الاهتمام. الاستقرار النفسي المستشار النفسي عبدالله القاسم قال ل «عكاظ» إن معاناة المرأة العاملة موجودة بالفعل، خاصة في حال عدم توفر حضانة آمنة بالمنزل، الشيء الذي يشتت تفكيرها بين مهام عملها وانشغال ذهنها بأطفالها، ويترتب على ذلك تدني كفاءتها في العمل، كما أنه يتسبب في توتر نفسي ينعكس على علاقاتها في محيطها العملي وبالتالي مشاكل في التواصل مع الجميع، ويضيف «ينسحب هذا الأمر أيضاً على حياتها الأسرية لأن خوفها الشديد على أطفالها قد يجعلها تتعامل معهم بطريقة فيها دلال زائد لتعويضهم فقدهم لها أثناء فترة تواجدها بالعمل، ما يكون له أثره السلبي في التنشئة».