تحمل المرأة غريزة الأمومة منذ نعومة أظفارها مرورا بكل مراحل عمرها، فيما تحلم باليوم الذي تستقبل فيه طفلها الأول، وكيف سيكون شكله، ونوعه، ولدا أم بنتا، وماذا سيكون اسمه، ما يزاحم الأفكار في مخيلتها فتزداد رغبتها في هذا الشعور، ثم ما تلبث أن تتحطم آمالها عندما يتأخر الإنجاب ولو لفترات بسيطة بعد الزواج. تظهر المشاكل النفسية للمرأة، فتحاصرها المعاناة من كل اتجاه، حيث يلح أهل الزوج في السؤال، ثم التجريح بل وتحميلها مسؤولية التأخر في الإنجاب، متناسين أنها أرزاق يطعمها الله لمن يشاء من عباده، ناهيك عما تواجهه المرأة من نظرة المجتمع القاسية في حالة كانت هي المسؤولة عن عدم الإنجاب كأن تكون عاقرا، أو أن لديها مشاكل تمنع حملها، في الوقت الذي لا يلقي الأهل أو المجتمع اللوم على الرجل العقيم، رغم أن كليهما غير مسؤول عن ذلك. تقول خ. العمري: تزوجت منذ 8 سنوات، ولم يكتب الله لنا أطفالا ليس لعائق صحي وإنما تأخر لأسباب لا يعلمها إلى الله، حيث أجريت وزوجي الفحوصات اللازمة، وكانت النتائج إيجابية، بمعنى أن لا مشكلة تمنعنا من الإنجاب، حسب ما أكده الأطباء والفحوصات، إلا أن أهلنا لم يرضوا بما قسمه الله لنا، فأهلي يثيرون المشاكل من أجل أن أنفصل عن زوجي، وأتزوج غيره لأنجب طفلا، كما يحملني أهل زوجي مسؤولية عدم الإنجاب، ويطالبونه بالزواج من أخرى لتنجب له الطفل الذي يتمناه الأهل، فيما يقع اثنينا بين مشاكل العائلتين، التي سلبتنا راحة البال والاستقرار النفسي، ما جعلنا نعيش في حالة سيئة جدا، ناهيك عن نظرة المجتمع القاسية التي لا ترحم الطرفين، فما العمل؟ وتضيف العمري: طلبت من زوجي أن يتزوج لتحقيق رغبة أهله، مع علمي بأنني سأخسره بسبب ضغوطات أهلي في الانفصال عنه، حيث يعتقدون أنه السبب في تأخر الإنجاب، وبالعكس أيضا فإن أهل زوجي يتهمونني بذلك، مؤكدة أنها وزوجها سئما هذا الوضع، ويعانيان معا بسبب التدخل في شؤونهما الزوجية، لدرجة أوصلتهما إلى حافة اليأس، لولا إيمانهما بالقضاء والقدر ويقينهما بأن الله سيعوض صبرهما خيرا. وتتساءل منى الصاعدي: لماذا تلام المرأة على شيء بيد خالقها وليس بيدها؟ منكرة على المجتمع محاسبة المرأة على كل صغيرة وكبيرة، مضيفة: لماذا يتدخل الأهل في الحياة الزوجية الخاصة، والتي لا يحق لأي شخص التدخل فيها، مبدية دهشتها مع تفرغ البعض لنبش البيوت ونشر أسرارها والتجريح في أهلها، والخوض في شؤون حياتها، ولماذا لم تحمل فلانة، ولماذا لا ينجب فلان، حيث يتعمد البعض إثارة الفتنة بين أهل الزوجين، بغرض زرع الفرقة بينهما والتحريض على كليهما، لافتة أن ذلك ليس من ديننا في شيء، إذ تتحمل المرأة للأسف مسؤولية ذنب لم تقترفه، فما ذنبها لو كانت عاقرا، ألا يكفي ما تعانيه على المستوى النفسي الشخصي، فيما تلاقي الأمرين من نظرات المجتمع والأهل لها، ما يؤدي بها الشعور بالنقص فتتحطم نفسيا ومجتمعيا، وتقطع علاقاتها بالمحيطين بها، ولا تتواصل مع أحد شعورا منها بعظم ذنبها، في الوقت الذي يظل فيه الرجل بعيدا عن اللوم -حتى لو كان هو السبب وراء عدم الإنجاب-. وتؤكد هنادي الديني أنها ضد نظرة المجتمع للمرأة العاقر، فهي قاسية جدا، مضيفة: لا أسمح بتدخل الأهل فيما يخص الزوجين في أمر الانجاب فهما من يحق له التصرف في هذا الأمر، فأعظم جريمة هي هدم حياة زوجية مستقرة، وعدم الإنجاب ليس ذنبا تعاقب عليه المرأة لأنه خارج عن إرادتها، وتلفت هنادي أن المرأة التي حرمت من الإنجاب، ترضى بالأمر الواقع إيمانا منها بما كتبه الله لها، إلا أن النظرة القاسية من الأهل والمجتمع تفقدها هذا الإيمان، فتخسر صحتها وتحطم نفسيتها، لدرجة تكاد تفقد معها حياتها الزوجية، مضيفة: لا يحق لأحد أن يحاسب المرأة أو زوجها على تأخر أو عدم الإنجاب، فهذه أرزاق يقسمها الله لمن يشاء ويحرم منها من يشاء، فهو مقدر الخير لعباده ولا يحق لعباده أن يعذبوا أنفسهم أو يتسببوا في عذاب غيرهم. ومن جهتها أوضحت الإخصائية الاجتماعية خلود الطيب أن غريزة الأمومة لدى المرأة تولد معها، وتتمنى تحقيق هذا الحلم بمجرد زواجها، ويظل الأمر معلقا بيد الله، فلا اعتراض على أمره، فالإنجاب نعمة من الله يهبها لمن يشاء من عباده، مشددة على ضرورة أن يعي الأهل والمجتمع أن المرأة التي تتأخر في الإنجاب أو تحرم منه هي أكثر الناس شعورا بالألم، كما أنه لا يحق لأحد أن يحاسبها على ذنب لم تقترفه، ما يجعلها تكره نفسها أو تفقد حياتها الزوجية، فيضطر الزوجان للجوء إلى الطلاق وهو أبغض الحلال عند الله. وتوضح الطيب أن العلاقة الزوجية علاقة عظيمة وميثاق غليظ بين زوجين، وعندما يتدخل الأهل والأقارب بإطلاق عباراتهم القاسية فهم يدمرون هذه العلاقة ويثيرون المشاكل بين الزوجين، ما يدخلهما في حالة نفسية سيئة، تعرضهم للعديد من الأمراض النفسية والجسدية، فيما تنصح الطيب المرأة العاقر أو المتأخرة في الإنجاب بالتحلي بالصبر والثقة بأن ما أصابها إنما هو خير من عند الله، وعليها وزوجها أن يصبرا ويحافظا على حياتهما الزوجية، فإن مع العسر يسرا.