ظاهرة مؤلمة، وان كانت قديمة ما زالت تتصاعد داخل الأسرة المسلمة، وهي قيام بعض الأزواج بتطليق زوجاتهم العقيمات، بل يبررون الإقدام على "أبغض الحلال" بأنه "حكم الشرع" استنادا إلى أن "التناسل" هو أساس الحياة الزوجية.. ومن الغريب أن ترى رجلا يطلق زوجته ليس لأنها عقيم بل لأنها تلد الإناث.. فما ذنب تلك الزوجة المسكينة؟.. أليس الله هو الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ويجعل من يشاء عقيمًا؟!. هل نسي هؤلاء الذين يتشدقون ب"حكم الشرع" قدوتنا وأسوتنا الحسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ولدت له خديجة أربع بنات ولم يضجر ولم يطلق لأنه يؤمن إيمانا تاما بأن الله هو الذي وهب له ذلك، وتزوج عائشة وحفصة وزينب، ولم تنجب له واحدة منهن ومع ذلك تمسك بهن اشد التمسك لإيمانهن وتقواهن، فليس عيبًا أن تلد الزوجة بنتًا وليس عيبًا أن تكون عقيمًا إنما العيب كل العيب أن تقصر في حق خالقها وزوجها ولم يكن من منهج المرسلين، وهم صفوة الخلق تطليق الزوجة فإبراهيم الخليل لم يطلق زوجته "سارة" لأنها عقيم بل صبر حتى بشرته الملائكة بإسحاق، ومثله زكريا الذي دعا ربه حتى بشر بقدوم يحيى. "الرسالة" ناقشت مع المختصين "حياة زوجية بلا أولاد" وكيفية تعامل الزوجين مع تلك الإرادة الإلهية. وفي البداية شددّت المستشارة الاجتماعية ليلى الزهراني على أهمية استمرار الحياة الزوجية حال عدم إرادة الله تعالى بالإنجاب أو إنجاب البنات، وقالت: إن هناك نجاحا أسريا لأزواج بلا أبناء داعية إلى تسليط الضوء على هذا النجاح، وكيفية وصول العلاقة الزوجية إلى هذا الرقي الإنساني بعد الأخذ بالأسباب والإيمان بقضاء الله وقدره. وأوضحت أن الاستقرار العائلي يكون بالحب والتفاهم مع وضع النقاط على الحروف لحل بعض المشكلات التي تطرأ على الحياة الزوجية مع وضع "حواجز" لمنع تدخل المتطفلين من الأهل والأقارب في حياتهما، مشيرة إلى أن عدم الإنجاب لا يعني أن يستسلم الزوجان بل يجب عليهما الاستمرار في الكشوف وإجراء التحاليل الطبية لمعرفة أسباب تأخر الإنجاب، والدعاء بلا كلل أو ملل فالله هو الكريم المعطي الرحيم. وأضافت: "كما أحب أن أنبه الزوجة إذا كان سبب العجز منها ووجدت أن زوجها يميل للزواج بأخرى، فعليها ألا تمنعه بل تساعده، ومن أجل راحة بالها إذا جاز التعبير أن تختار له من تجدها تناسبه وتناسبها وتعدها صديقة حتى يتشاركا في تربية الأبناء، وكذلك الحال بالنسبة للزوج فعليه أن يعوض زوجته عن العقم بالحب والحنان حتى تشعر نفسيا بأنها لم تفقد أمومتها بشكل نهائي". تدخلات الأهل أما الأخصائية الاجتماعية صالحة الغامدي فأكدت أن التفاخر بالإنجاب للأسف صار من مقاييس النجاح للزيجة في المجتمع متجاهلين قول الله تعالى: ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)) سورة الشورى. وانتقدت الغامدى انتشار الفكر "الجاهلي" الذي نبذه الإسلام، وهو التفاخر بإنجاب الذكور، ومعاملة الزوجة التي تنجب إناثا بكبر وتعال وقسوة، داعية الى منهج "المودة والرحمة"، وعلى من لم يرزق ذرية استلهام دعاء سيدنا زكريا عليه السلام عندما قال: (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)، وكذلك دعاؤه عليه السلام لما قال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وكذلك تذكر سيدنا إبراهيم وزوجته سارة فقد رزقهما الله بصبرهما إسحاق عليه السلام وولد لإبراهيم وهو كبير إسماعيل أيضا كما قال تعالى عن خليله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)) سورة إبراهيم. وحذرت الغامدي من التدخلات غير المحمودة من بعض الأهل في هذه المسألة، وأشارت إلى أن على المسلم في جميع الحالات أن يرضى بقضاء الله وقدره ولو بقي عقيما طيلة عمره ولربما كان صبره خيرا له من الولد. النظرة القاصرة ومن جهته أوضح ّ المستشار النفسي د. أحمد الشيخي أن النظرة القاصرة لمن تزوج ولم ينجب تزيد الأمر تعقيدا من خلال كثرة السؤال عن أسباب تأخر الحمل، وقال: "كثير من مظاهر الظلم الاجتماعي لها تأثير سلبي وانعكاسات نفسية على أفراد المجتمع ومنها النظرة القاصرة لمن تزوج ولم ينجب، والمؤسف أن بعض أهل الأزواج يزيدون الأمر تعقيدا بكثرة السؤال عن أسباب تأخر الحمل وكثرة اللغط في هذا الأمر وتوجيه الاتهامات المباشرة وغير المباشرة بقصور العلاقة الزوجية ووجود نقص في الطرف الآخر مما يكون له اثر نفسي عميق في نفوس الزوجين وحدوث فجوة في العلاقة ما لم يكن هناك إيمان قوي ويقين تام بما كتبه الله تعالى".