رأى عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل مبارك أن الحديث عن الإمام مالك يجب ألا يكون مقتصرا عليه باعتباره إماما من أئمة المسلمين فحسب، بل باعتباره يمثل مدرسة فقهية من أربع مدارس بها قوام الفقه في الشريعة الإسلامية؛ لأن فقه الكتاب والسنة هو فقه المدارس الأربع، موضحا أن احتجاج الإمام مالك بعمل أهل المدينة وتقديمه على الأحاديث في بعض المسائل جاء بناء على اعتباره أن هذا العمل يعتبر من قبيل الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ويصعب تقديم الحديث عليه، خصوصا فيما شاع بين الناس في عصره مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من أصحاب النبي، جاء ذلك في ندوة «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية» التي نظمتها الجامعة الإسلامية البارحة الأولى ضمن فعاليات المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية. وتحدث آل مبارك عن صفات الإمام مالك وهيبة مجلسه وكرهه للجدل من جانب طلاب العلم، حيث كان يعتبر أن الجدال في الدين يذهب بنور العلم، كما سئل عن السنة أيجادل عنها، فقال: «لا وإنما يخبر عنها فإن قبلت وإلا سكت»، وعرج على بعض مناظرات الإمام مالك كمسألة الترجيع، حيث سأله أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة قائلا: «تؤذنون بالترجيع وليس عندكم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه حديث»، فالتفت مالك إليه وقال: «سبحان الله ما رأيت أمرا أعجب من هذا، ينادى على رؤوس الأشهاد في كل يوم خمس مرات، يتوارثه الأبناء عن الآباء من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا أيحتاج فيه إلى فلان عن فلان؟ هذا أصح عندنا من الحديث»، بمعنى أن عمل أهل المدينة إذا كان طريقه النقل ومما يذاع ويشيع بين الناس يصعب تقديم الحديث عليه. من جهته، أوضح الدكتور عبدالله بن بيه أن أهم أصول مذهب الإمام مالك، إضافة إلى الأصول المتفق عليها بين الأئمة الأربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أصل سد الذرائع وإن كان الإمام أحمد يشاركه في هذا الأصل مشاركة واسعة، مضيفا أن هذا الأصل ادعى بعضهم اختصاص مالك به، كما ادعى آخرون اختصاصه بالمصالح المرسلة، مع عدم التسليم بهذه الدعوى، أبان ابن بيه أن من أصول مالك أيضا عمل أهل المدينة الذي يعتبره حجة ويقدمه على حديث الآحاد، كما يقول المالكية، مضيفا أن من أصول مذهب مالك أمر دقيق وتوفيقي وهو ما يسمى بمراعاة الخلاف، وهو ليس معروفا لغير مالك، وقد يوجد عند بعض الأئمة حين يقولون: يترك هذا مراعاة للاختلاف، وليس هو المقصود عند مالك، بل هو نوع من الاحتياط والورع، لكن مراعاة الخلاف عند مالك هي إعمال لازم دليل ذلك المذهب، والعمل به في مذهب مالك، بمعنى أن البيع الفاسد المختلف فيه مثلا إذا تعلق به حق الغير أو فات بنوع من المفيتات يمضيه مالك بعد أن كان يبطله.