ناقشت ندوة نظمتها الجامعة الإسلامية مساء أول من أمس، "أثر الإمام مالك في الدراسات الفقهية"، ضمن فعاليات: المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية، بمشاركة كل من الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء والشيخ الدكتور عبدالله بن بيّة، وقدّمها الدكتور عبدالسلام السحيمي، تحت رعاية مدير الجامعة الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا. ابن بيّة: مراعاة الخلاف فنّ من المرونة والتسامح في مذهبه وقال الدكتور آل مبارك إن احتجاج الإمام مالك بعمل أهل المدينة وتقديمه على الأحاديث في بعض المسائل جاء بناءً على اعتباره أن هذا العمل يعتبر من قبيل الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويصعب تقديم الحديث عليه خصوصاً فيما شاع بين الناس في عصره مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من أصحاب النبي، فيما أكد الشيخ بن بيّة أن أصل سدّ الذرائع والمصالح المرسلة ليست مما يختص بمذهب الإمام مالك، بل توجد عند جميع الأئمة الأربعة لكن على تفاوت في الاستدلال بها، معتبراً أن المالكية انفردوا بالأخذ بالعمل القُطري في تجديد مئات المسائل في المذهب بناءً على الواقع المتغيّر. وقال آل مبارك إن من آرائه في الحديث الشهير: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً"، إذ ردّ الإمام مالك على من فهم أن المقصود بهذا الحديث أن الكلب نجس، إذ رأى أن هذا الحديث يتعارض مع نص قول الله تعالى: "فكُلوا مما أمسكنَ عليكم"، فقال: يُؤكَل صيده فكيف يُكرَه لُعابه؟ ثم عرج على بعض مناظرات الإمام مالك كمسألة الترجيع فقد سأله الإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة فقال: تؤذّنون بالترجيع وليس عندكم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه حديث، فالتفت مالك إليه وقال: يا سبحان الله ما رأيت أمراً أعجب من هذا، يُنادى على رؤوس الأشهاد في كل يوم خمس مرات، يتوارثه الأبناء عن الآباء من لدُن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا أيُحتاج فيه إلى فلان عن فلان؟ هذا أصح عندنا من الحديث، بمعنى أن عمل أهل المدينة إذا كان طريقه النقل ومما يُذاع ويشيع بين الناس يصعب تقديم الحديث عليه. آل مبارك: احتج الإمام بعمل أهل المدينة وقدّمه على الأحاديث فيما تحدث الدكتور ابن بيّة عن أصول مذهب الإمام مالك وخصائصها، وبيّن أن أهمّ هذه الأصول، إضافةً إلى الأصول المتفق عليها بين الأئمة الأربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أصل سدّ الذرائع وإن كان الإمام أحمد يشاركه في هذا الأصل مشاركة واسعة، مؤكداً أن مراعاة الخلاف فنّ من المرونة والتسامح في مذهب مالك وهذا كله إعمال للمصلحة التي شهدت لها المقاصد ولم يشهد لها أصل معيّن، مضيفاً أن مالكاً توسّع في المصالح المرسلة والاستحسان عنده من المصالح. واضاف: "إن مسألة عمل أهل المدينة عند الإمام مالك سحب ذيله على العمل القطري عند المالكية في شمال إفريقيا ولا يوجد إلا في مذهب مالك، وجدّد المالكية به مذهبهم في مئات المسائل التي خالفوا فيها مشهور المذهب أو القول الراجع فيه بناء على مصلحة اقتضت ذلك، فهو تجديد للمذهب بناء على مصالح متجددة وواقعٍ يتغيّر دون الابتعاد عن أصول المذهب"، مشيراً إلى أن الإمام مالك كان يعمل بالقياس ويتوسع فيه فيعمل مثلاً بقياس العكس، وقياس الشبه في حدود معينة كما يعمل بالاستصحاب ودليل "شرع من قبلنا" ويتوسع في الاستحسان في حدود الدليل، ويأخذ بقول الصحابي كثيراً. حضور كبير للندوة