ارتبطت مهنة تزين النساء في مكةالمكرمة باسم إسعاف يوسف أبو بكر، التي تعد أول سيدة عملت بالمهنة في مكةالمكرمة منذ أكثر من 60 عاماً، حين كانت زينة العروس لا تتجاوز ال10 ريالات، لتعيش أزهي أيام وسط شهرة لا تضاهى بين الناس. «عكاظ» التقت بها مبحرة في محيط حياتها لتعرف منها كيف تعلمت سر المهنة، وما العوامل التي ساعدتها على ذلك، وأي الأزمان كانت بالنسبة لها كالربيع. بدأت الخالة إسعاف يوسف تتحدث عن تاريخها بعفوية وبساطة مبتدئة من ربيع العمر عندما ارتبطت بزوجها مصطفى أحمد أرشد وهي ابنة 17 ربيعاً في عام 1377ه لتعيش أحلى أيامها، كما قالت، في منزلها بحي الزاهر ل50 عاماً مع زوجها وأطفالها السبعة، مؤكدة أنها تعشق هذا الرقم لأنه مرتبط بذكريات جميلة بالنسبة لها بدءاً من تاريخ زواجها وختماً بأبناءها السبعة، وغيرها من المناسبات السعيدة في الوسط، خلال 50 عاماً عاشتها كزوجة وأم وصاحبة مهنة تعد الأولى من نوعها آنذاك في مكةالمكرمة فكانت تعمل في مجال تزيين النساء وتحديدا العرائس «كوافيرة». تقول إسعاف إن الزمن تبدل كثيراً وهي كذلك تطورت مع مرور الأيام، حيث تمكنت من إعادة سياساتها تجاه التجميل وطورت أدواتها كثيراً من مرحلة لأخرى وصولا إلى الزمن الحالي، وتضيف «الحياة لا تتوقف عند نقطة معينة وهي ماضية ولا بد لنا مواكبتها، فقبل وقت طويل كان تزيين العروس لا يكلف أكثر من خمسة ريالات ثم ارتفع المبلغ إلى 10 ريالات، وبعض النسوة كن يستبدلن أجرة الزينة بقطعة ذهب، حيث كان غرام الذهب يساوي ثلاثة ريالات. وعن أحوال ذلك الزمان وبساطة النساء وطيبة قلوبهن والمواقف التي مرت بها لأن «المزينة» ترتاح لها الزبونات ويحكين لها ما يجول بخواطرهن وما يحدث في حياتهن من سعادة وشقاء، قالت إنها تحتفظ في ذاكرتها ببعض الحكايات، من بينها تزيينها لعروس لم تتجاوز ال12 عاما، وأخرى اضطرت لعمل الماكياج لها عدة مرات بسبب بكائها المستمر لعدم رغبتها بالزواج، والعديد من الحكايات والقصص التي كانت يحكيها النسوة اللاتي يتسابقن على الحجز قبل موعد المناسبة بأسابيع لشدة الإقبال على صالونها الوحيد والذي كان يقدم هذه الخدمة لنساء مكةالمكرمة والمحافظات المجاورة لها. وحول وضعها الأسري وكيف تسير أمورها الخاصة بالمنزل قالت، بعينين دامعتين «لدي سبع أولاد أطلق عليهم إمبراطورية «الكاف» لأن أسماءهم تبدأ بهذا الحرف، الابن الأكبر كامل درس الهندسة في أمريكا، وبعده انجبت ابنتي كرم التي أنهت دراستها الجامعية وتزوجت، يليها كِنان، مهندس ومتزوج، ثم البنت الأخرى كاريمان وهي جامعية ومتزوجة وشقيقها كفاح جامعي متزوج، وآخر العنقود كارم هو أيضاً جامعي ومتزوج». ومضت في سرد باقي الحكاية «ابني كامل توفي بعد والده بعامين في طريق عودته من الأردن إلى السعودية بحادث سير، وآلمني ذلك جداً لأنه كان يحل مكان أبيه في العمل بعد رحيله في أعمال الطوافة، فبعد وفاة شريك عمري كان مؤنس وحدتي ابني، ومن ثم أصبح البيت علي خالياً بعد زواج أبنائي وبناتي واحداً تلو الآخر». انتقلت للحديث عن خريف العمر الذي داهمها، وما عادت الدار هي ذاتها ولا الناس موجودين معها، فكان لاختلاف الزمان أثره بنفسها ورحيل الربيع جفف أيامها سكنت الوحدة وبيتها وعشش الحزن بنفسها كما قالت فما عادت حيطان الدار التي عشقتها كما هي ولكن الذكرى تظل باقية، وأردفت «هنا أنجبت أولادي وهناك نمت وهنا عملت وفي هذه الغرفة جلس الأولاد وفي السطح ركضوا»، في إشارة إلى المنزل الكبير الذي تركته بعد وفاة زوجها ورحلت إلى شقة صغيرة بنظام التمليك، تاركة ذكريات الربيع وبعضا من سنوات الخريف خلفها، مؤكدة أن هذه الشقة لا تحمل ذكرى الأيام الجميلة ولكنها تستقبل سنوات الخريف القادمة رغم إلحاح أبنائها عليها بالعيش معهم إلا أنها رفضت وفضلت البقاء مع خادمتها وزيارتهم من حين لآخر. بينت إسعاف أنها فكرت بشغل وقت فراغها بصحبة تؤنس وحدتها وتبهج أيامها لذلك انضمت إلى نادي ربيع العمر، الذي أسسته الدكتورة هانم ياركندي أستاذ الصحة النفسية المشارك بجامعة أم القرى، ورئيسة جمعية أم القرى النسائية الخيرية ونخبة أخرى من السيدات المجتمع المكي بعام 1426ه وهو عبارة عن ناد مصغر للسيدات ذات العمر المتقدم والمتقاعدات اللواتي لم ينيبهن حظاً من اهتمام أفراد المجتمع، حيث قسمت صالة النادي إلى ثلاث جلسات مكية الطراز، الأولى تكونت من جلسة أرضية مغطاة بسجاد رومي قديم فرشت بالليانات والمساند والمخدات، مع احتوائه على مكان خاص بنصبة الشاي والتختة، كما يتضمن المكان صندوقا لحفظ أدوات الألعاب كالكمكم، الزقيطة، الضومنة، الكوتشينة، والكيرم، أما خلفية الجدران فلها طابع قديم مع أرفف على هيئة نوافذ محاطة بأعمدة خشبية علقت عليها الاتاريك، والثانية عبارة عن جلسة كرويتات مفروشة بالسجاني والمساند وغطت الأرض بالسجاد القديم بالإضافة إلى بعض الاكسسوارات القديمة كالشراب والراديو، أما الثالثة فيه جلسة مختلطة بين الماضي والحاضر. تقول إسعاف «لأن العطاء لا حدود له، ولأن الخريف يسقط الأزهار لتنمو من جديد لا ليقتلها، ولأن الشمس تأتي بعد عتمة الليل، ولأن الجميل لا يرد إلا بما هو أجمل، والوفاء به دين علينا، ولأنهن الخير والبركة انضممت لصديقاتي بهذا النادي». وعن وضعها الصحي تقول إنها بعد فقدها زوجها وابنها عاشت أياما صعبة ما اضطرها للجوء لطبيب نفسي إلا أن حالتها لم تتحسن قط بل تدهورت أكثر وعندما تأسس النادي انضمت إليه هي وعدد من السيدات اللاتي أصبحت تملكهن أسرارها لترتاح قليلا، وتحكي ما يجول بداخلها، كما أصبحن ينظمن رحلات واجتماعات خاصة بهن كما كان في الماضي عندما كن فتيات، حيث وصل عدد المشاركات في النادي إلى 40 سيدة أغلبهن عضوات كخالة إسعاف بعدد من اللجان والجمعيات الخيرية والتطوعية لتسلية أنفسهن بكل ما هو مفيد وفيه خير لهن في الدنيا والأخرة، ويذهبن إلى النادي خمسة أيام في الأسبوع من السبت إلى الأربعاء، حيث لكل يوم نشاط يختلف عن الآخر، فالسبت مخصص لحلقات تحفيظ القرآن الكريم وممارسة الرياضة، والأحد للأنشطة الثقافية مختلفة، ثم يجيء إفطار الصائم يوم الاثنين فتجتمع المشاركات مع بعضهن على مائدة الإفطار، كل واحدة تصنع طبقها المحبب من منزلها وتذيقه صديقاتها، ويوم الثلاثاء تم تخصيصه للأنشطة الترفيهية، أما الأربعاء للرحلات خارج النادي. تمنت أم كامل في ختام حديثها أن تمنح السيدات المتقدمات في السن تخفيضات في المستشفيات وتذاكر سفر للخارج، وأن تدعم الجهات المعنية هذه المشاريع للترويح عليهن بما ينفعهن ويؤنس وحدتهن، متحدثة عن أمور كثيرة في الجلسة التي جمعتها بمحررة «عكاظ» عقب العودة إلى منزلها، مؤكدة أن بإمكان الشخص أن يحافظ على حياته بالصورة التي يراها ولا يخاف من جريان السنين وروحه ثابتة على العشرين. كشفت المسؤولات بالنادي عن عدد كبير من المشاركات الثقافية والأدبية للخالة إسعاف في الحفلات الموثقة في إصدارات النادي ومعنونة ب «صفحات مشرقة من ربيع العمر»، وأوضحن أنه منذ انضمامها للنادي لاحظ أبناؤها والمقربون منها تحسنا في حالتها النفسية، ما يؤكد أنها سعيدة بالحياة الجديدة والتي تسهم في علاجها بالتدرج.