قبل أن ألتقي بعدد من ضحايا الحقوق المالية في العاصمة المقدسة كانت تجول في ذاكرتي المقولة الشائعة إن الدين «هم في الليل ومذلة في النهار» وكيف أنه سيناريو يتساوى فيه النساء مع الرجال في نهاية المصير، رغم اختلاف قصصهم وأسباب حاجتهم للدين فإما التسديد أو البقاء خلف قضبان السجن إن عجزوا عن ذلك. «عكاظ» لبست قفازات الشفافية والتقت بعدد من النساء من ضحايا الحقوق المالية وتعرفت على هواجسهن وأجمعن على أن الكفالة الغارمة والمظاهر الاجتماعية البراقة أوقعتهن في بحر الديون وكان مصيرهن خلف القضبان. ومن تلك القصص قصة الأرملة أم صالح 60 عاما ، التي من الممكن أن تواجه السجن ويباع بيتها في المزاد بعد قضاء المهلة المحددة التي منحها إياها القضاء لتسديد 250 ألف ريال للمقاول العقاري، الذي تقدم بشكوى ضدها منذ عدة أشهر إلى المحكمة العامة بمكةالمكرمة حيث أصدرت بحقها صكا شرعيا يلزمها بوفاء الدين. وفي زيارة للأم في بيتها روت تفاصيل قصتها قائلة: تقدم زوجي قبل وفاته بعدة سنوات بطلب قرض عقاري من بنك التنمية العقاري، ولم تتم الموافقة عليه إلا بعد وفاته بخمسة أعوام، وحول الطلب بإسمي كوني الوصية على أبنائي الأيتام، وتسلمت مبلغ 300 ألف ريال قيمة التمويل، وأعطيتها للمقاول لبناء بيت صغير على الأرض التي ورثتها عن زوجي، وشيد لي منزلا من طابقين حيث قام بتشطيب الطابق الأول، وبعدها طلب مني دفعة أخرى لتشطيب الطابق الثاني، فأخبرته بعدم قدرتي على تسليم أي مبلغ إضافي خاصة أنني طلبت منه العمل بقدر المبلغ الذي سلمته إياه سابقا، وبعدها تقدم بشكوى إلى القضاء، ونالت حكما شرعيا في شهر رمضان المنصرم يلزمني بالتسديد، بعد أن طلب القاضي من المقاول بشكل ودي أن يمهلني إلى بعد شهر الحج من هذا العام. دين المقاول واستطردت قائلة: «من أين أسدد دين المقاول وقيمة القرض العقاري وأنا امرأة طاعنة في السن، وليس لي دخل آخر غير 1600ريال راتب التأمينات الاجتماعية ولدي أربعة أبناء لا يعملون، وأحدهم معاق بشلل نصفي، وفتاة مازالت في مقعد الدراسة » .. ولم تكن قصة المعلمة فتحية 39 عاما كسابقتها غير أنها تشترك معها في قهر الدين وذله بسبب زوجها الذي أغرقها في الديون من معارض السيارات، وشركات التقسيط لبيع الأجهزة الكهربائية، والبنوك التجارية، فكلما انتهت من نائبة أدخلها في الأخرى، بحجة مساعدته في بناء منزله، لأنه يعمل حارس أمن بمنشأة تجارية، ومرتبه الشهري لا يتجاوز ال 2500 ريال، وعليه فهو لا يستطيع أن ينال قروضا أو يشتري بالأقساط، لذا كان لزاما عليها أن تتحمل كافة الديون لتأمين سكن الزوجية، وأفلح زوجها وفقا لقولها بإيهامها بضرورة تسجيل العقار بإسمه حتى لا يصادر منها في حال تعذر عليها دفع ديونها، إلى أن تأكد من عجزها التام عن تلبيه رغباته، والإغداق عليه بالمال، وبعد ذلك طلقها بعد أن طلب منه أشقاؤها بيع المنزل وتسديد ديون شقيقتهم، بعد أن أوقفت في السجن، رفض الزوج وأنكر جميع حقوقها، وتمكن شقيقها من إخراجها بكفالة، وسددت جزءا من ديونها عن طريق بيع حصتها من العقار الذي ورثته من أبيها ومساعدة بعض أقاربها. ولم تكترث صديقة الموظفة فايزة 35 سنة للمصير الذي واجهته صديقتها بعد أن ورطتها بكفالة غارمة لشراء أجهزة كهربائية بالتقسيط، من إحدى الشركات واكتفت بتسديد قسطين وامتنعت عن دفع الباقي، متعذرة بسوء وضعها المالي، مما اضطر فايزة إلى تسديد كامل المبلغ بعد أن تم إيقافها بالسجن لأيام، إثر مماطلة صديقتها وتهربها من الدفع. ذمة مستقلة من جهته أوضح المحامي والمستشار القانوني خالد أبو راشد بأن للمرأة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ذمتها المالية المستقلة عن ذمة الرجل المالية متى ما بلغت السن القانوني الذي يؤهلها لإبرام التصرفات القانونية بنفسها من بيع أو شراء أو ترتيب التزامات تعاقدية لصالح نفسها أو عليها وكذلك تعامل في المحاكم السعودية حين تصبح طرفا في أي قضية سواء كانت مدعية أو مدعى عليها فمتى ما تأكدت المحكمة من أهليتها لإبرام التصرفات فإنها تصبح صالحة لاكتساب الحقوق وكذلك صالحة لإلزامها بما عليها من التزامات وينظر إليها بشكل مستقل عن ذمة والدها أو ذمة زوجها المالية، وإذا فرطت المرأة في حقوقها أو تساهلت فيها فالمفرط أولى بتفريطه هكذا ينظر إليها دون عاطفة لأن العاطفة لا يؤخذ بها حين إصدار الأحكام القضائية وإلا أصبح ذلك بابا ومدخلا للاستيلاء على حقوق الغير والتحايل بإسم المرأة. مضيفا: إن السجينات في القضايا المالية في المملكة تطبق عليهن تعليمات وأنظمة الإعسار دون تفرقة مع الرجل وإن كانت بعض اللجان والجهات الخيرية تتعاطف مع النساء وتعطيهن أولوية في السداد عنهن وذلك بالنظر إلى مكانة المرأة ودورها في المجتمع وأسرتها بشكل خاص.. أما المرأة التي تكون ضحية لزوجها أو والدها فلا يؤثر ذلك في علاقتها مع الدائن المحكوم له فهو يبقى حسن النية في تعامله مع المرأة ما لم تثبت المرأة عكس ذلك كأن تثبت علم الدائن بأن المنتفع الحقيقي من العلاقة التعاقدية هو والدها أو زوجها فهنا من الممكن إسقاط المسؤولية القانونية عن المرأة، أما خلاف ذلك فالمرأة متى بلغت أهليتها القانونية كانت مسؤولة عن تصرفها القانوني، كما أنه يجوز لها كما يجوز للرجل أن ترجع بالمسؤولية القانونية على مكفولها إذا كانت مسجونة بسبب كفالتها له ويكون ذلك في الحالة التي تقوم بسداد دين المكفول. دور الجمعية ومن جانبه ذكر المدير التنفيذي للجمعية الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم ( تراحم ) الدكتور سهيل هاشم صوان أن الجمعية تتعامل مع رئيس المحكمة الجزئية للنظر في وضع السجناء والسجينات في هذه القضايا، فلا تتدخل الجمعية في قضايا النصب والاحتيال والسرقات وخيانة الأمانة لأن هذا النوع يستوجب على مرتكبيه نيل العقوبة، وما عدا ذلك كالقروض أو الحوادث نساهم بمساعدتهم وتسديد ديونهم في حدود إمكانياتنا بحوالى 20,000 25,000 ريال أو عن طريق أهل الخير إذا ثبت تورطهم دون إصرار منهم أو إجرام، ففي الشهور الماضية سددت اللجنة عن سبعة سجناء بجدة. مؤكدا أن نسبة السجناء الذكور في الحقوق المالية أكثر من النساء. وبين صوان أن بعض الأشخاص يدخلون السجن نظير مبالغ زهيدة قد تصل إلى حد خمسة أو عشرة آلاف ريال، وهذا يدل على سهولة الوصول إلى المتورط وعدم سكوت الآخرين أو تغاضيهم عن حقوقهم فلا يجب عليهم الالتفاف على النظام أو التحايل عليهم، بالإضافة إلى أن البعض لا يكترث بهذه المبالغ الصغيرة إلى أن يودعوا بالسجن، فلابد أن يكونوا واعين ويحافظوا على حقوق الغير ولا يزجوا بأنفسهم في مشكلات تؤثر عليهم وعلى أسرهم، وكذلك الحال في مسألة الكفالة الغارمة يجب أن يتحقق الشخص من أمانة والتزام من تكفل به حتى لا يعرض نفسه للعقوبة لأن قبوله الكفالة يعني استعداده للتسديد أو تحمل العقوبة عن مكفوله. سلال غذائية جمعية تراحم أوضحت أنه يتم تقديم مساعدات عاجلة وضرورية لأسر السجين أو السجينة كالسلال الغذائية والرعاية الصحية وتسديد إيجار السكن والكهرباء، ومساعدات بعيدة المدى وهي توفير برامج مجانية وتدريبات ومنحهم أولويات التوظيف عن غيرهم فهم أحوج بهذه الوقفة الإنسانية من الجميع، خاصة أن مدة السجن قد تستمر لسنوات على معيلهم فلا يمكن لسجناء الحقوق المالية الخروج من السجن إلا بعد سداد الدين أو عن طريق العفو إذا ثبت إعسارهم..