المشاركون في الندوة أ. د. سليمان بن عبدالله العقيل استاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الملك سعود العقيد عبدالمحسن بن محمد الطويل مدير شعبة التوجيه في المديرية العامة للسجون وعضو لجنة السداد بندر بن ابراهيم المحرج محام ومستشار قانوني تزايدت مؤخراً أعداد سجناء الحق الخاص «الموقوفين والمحكومين» نتيجة تضافر جملة من الأسباب، أهمها تسهيلات القروض، والإقدام على مشروعات خاسرة دون دراسة مسبقة وكافية، إلى جانب «الكفالة الغرمية» نتيجة الفزعة بدون وعي مع أشخاص لا يستحقون. ويعيش سجناء الحق الخاص أوضاعاً نفسية واجتماعية سيئة أبرزها فقدان السجين الثقة في بعض القيم والموروثات الاجتماعية، وفقدان الوظيفة، وعدم ثقة أفراد المجتمع فيه، وتمتد هذه المعاناة إلى أسرته التي تتحمل عبء سجن والدهم أمام الجمعيات الخيرية والمحسنين. وتبذل المديرية العامة للسجون ممثلة في اللواء الدكتور علي بن حسين الحارثي جهوداً كبيرة في مساعدة سجناء الحق الخاص، من خلال تشكيل لجنة السداد ممن تقل مديونيتهم عن (50) ألف ريال، حيث لا تزال هذه الجهود بحاجة إلى دعم وتنسيق مع لجان أخرى تعنى بأحوال السجناء، من أجل توحيد الجهود وتنظيمها وفتح حساب موحد يخدم جميع السجناء في جميع المناطق. ويقترح مختصون بدائل أخرى لسجناء الحق الخاص تتمثل في منح القضاة صلاحية استقطاع مبلغ من راتب المدعى عليه لصالح صاحب الحق، إلى جانب إيقاف المدعى عليه أسبوعاً والإفراج عنه أسبوعاً اخر لمدة ثلاثة أشهر بما يمكنه من السداد، كذلك تبني مشروع «التوظيف الخيري» للسجناء في القطاع الخاص. السمات الشخصية للسجناء في البداية وصف العقيد الطويل سجناء الحق الخاص بأنهم غالباً من ذوي الدخل المحدود، وأعمارهم تتراوح بين (30 - 50) عاماً، من السعوديين المتزوجين، ومديونيتهم في الغالب تنحصر في مبالغ أقل من (100) ألف ريال، ويتركز معظمهم في المدن الرئيسة، مؤكداً على أنهم ليسوا بالضرورة «مجرمين» أو متورطين في قضايا جنائية، وإنما سجناء تحملوا عن أنفسهم أو عن غيرهم مبالغ مالية لم يستطيعوا الوفاء بها، وبالتالي تم إيقافهم والحكم على معظمهم لسداد ما في ذمتهم للغير، مشيراً إلى أن غالبية سجناء الحق الخاص مطلوبون للبنوك أولاً، ثم الكفالة المالية عن آخرين ثانياً، وتحرير شيكات بدون رصيد ثالثاً، موضحاً أن سجناء الحق الخاص يتسمون أيضاً بالتهور والتسرع و»حب المغامرة» وعدم تقييم الأمور ودراستها، كذلك عدم أخذ العبرة ممن سبقوهم من الموقوفين، وتجاوز الأخطاء التي وقعوا فيها. ويضيف د. العقيل أن معظم سجناء الحق الخاص لديهم قيم اجتماعية متوارثة ومتداخلة وعلاقات متشعبة مع الآخرين، وبالتالي لديهم «ثقة في الآخر»، و»فزعة متوارثة» مع الأقرباء والأصدقاء، كما أن غالبيتهم لم يتوقعوا أن تكون نهاية «الدين» هو دخولهم السجن، فإحساس السداد كان حاضراً لديهم ولكنهم لم يستطيعوا، مشيراً إلى أن غالبية سجناء الحق الخاص لم يكن أمامهم خيارات متعددة سوى خيار «الدين» للوفاء بمستلزماتهم الخاصة، ولكن المشكلة أنهم لم يوازنوا بين مقدار دخلهم ومصروفاتهم، وبالتالي وجدوا أنفسهم مطلوبين أمام الآخرين. أسباب دخولهم السجن ويشير العقيد الطويل إلى أن من أهم الأسباب التي دفعت بسجناء الحق الخاص إلى الدخول في السجن تعود إلى «الكفالة الغرمية» نتيجة الفزعة بدون وعي مع أشخاص لا يستحقون ذلك، مما أوقعهم في عجز مالي أدى بهم إلى سجن، إلى جانب الإقدام على «مشروعات خاسرة» دون دراسة مسبقة وكافية لهذه المشروعات. ويضيف د. العقيل أن انتقال أفراد المجتمع من الحياة البسيطة إلى الحياة المعقدة هي واحدة من أهم الأسباب التي دفعت بهذه الفئة إلى السجن، فالفرد في السابق لم تكن لديه الخيارات المالية متشعبة ومتعددة كما هو حاصل اليوم، وبالتالي أصبح «الجيل الحاضر» غير قادر على التمييز بين ما هو مهم وأهم في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، مما جعل الغالبية يجارون الآخرين في شراء السيارات الفارهة، واللباس، وأثاث المنزل، والسفر، وغيرها من الكماليات التي اجتمعت لتشكل عبئاً مادياً ليس بمقدورهم تحمله، مشيراً إلى أن «الصورة الاستهلاكية» في مجتمعنا غير منظمة مقارنة بالسابق، وبالتالي أصبح الفرد معتاداً على «السلف» من الآخر للوفاء باحتياجاته التي تكون كمالية أول الشهر وضرورية آخره، مؤكداً على أن الفرد الذي اعتاد على «السلف» لديه مشكلة في موازنته الخاصة، وبالتالي يدفعه هذا التعود إلى تراكم «الديون»، مما يجعله في وقت من الأوقات غير قادر على السداد. بينما يرى المحامي المحرج أن هناك أسبابا أخرى أهمها التسهيلات البنكية لتمكين الأفراد من الحصول على القروض، دون مراعاة العواقب الناتجة عن ذلك، إلى جانب انعدام الوعي التجاري إجمالاً لدى كثير من أفراد المجتمع، فبمجرد أن تطرح فكرة مشروع تجاري يقدم الفرد على هذه الفكرة لتنفيذها دون دراسة، كذلك انعدام الوعي القانوني للإجراءات والوسائل التي يجب أن يعيها الفرد قبل التفكير في الدخول لأي مشروع، مما نتج عن ذلك كثير من عملية النصب والاحتيال، مشيراً إلى أن الإشكالية التي لدينا هي أن الغالبية العظمى من الأفراد تقدم على المشروعات التجارية دون أن تسأل أو تبحث في النواحي القانونية، حتى إن البعض يوقعون على عقود دون قراءتها، وأحياناً يكون لديه ملاحظة جوهرية على العقد فيقنعه الطرف الآخر بتداركها فيقبل بهذا الكلام، ثم يجد نفسه مكبلاً بمبالغ مالية طائلة تصل إلى مئات الألوف وربما الملايين، داعياً إلى ضرورة التصدي قضائياً للنصابين والمحتالين الذين أضروا بالآخرين وأوصلوهم إلى السجن. إجراءات دخولهم السجن ويوضح العقيد الطويل إجراءات دخول سجناء الحق الخاص إلى السجن، حيث يفرق بين سجناء موقوفين لم يصدر بحقهم حكم شرعي، وآخرين صدر في حقهم حكم شرعي وتم تنفيذه بدخولهم السجن، مشيراً إلى أنه لحظة دخول السجين يتم استقباله، واستلام ملف قضيته بالكامل، ثم يتم تصنيف قضيته بحسب المعلومات المتوافرة في القضية، بعد ذلك يتم إيداعه الجناح المستقل في السجن الخاص بسجناء الحق الخاص، وتقديم الرعاية الطبية والاجتماعية والتعليمية والمعيشية له مثل غيره من السجناء، ثم يتم النظر في قضيته في لجنة السداد بحسب المبلغ المطلوب، أو عرض قضيته أمام الموسرين وأهل الخير للسداد عنه. وقال: إن قضايا النصب والاحتيال والسرقة والشيكات بدون رصيد لا تدخل في الحق الخاص، وذلك حتى لا تكون العملية أحياناً اتفاقاً بين سجين ومدعي عليه للسداد عنه، ثم تقاسم المبلغ، فهذه العملية يتم اكتشافها من خلال تفاصيل القضية والصك الشرعي المرفق. لجنة السداد في المديرية ويكشف العقد الطويل الإجراءات الخاصة بلجنة السداد في المديرية العامة للسجون التي تحظى بدعم ومتابعة سمو مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وقال: هذه اللجنة تم تأسيسها للنظر في قضايا سجناء الحق الخاص ممن تقل مديونيتهم عن 50 ألف ريال وفق ضوابط وشروط محددة، وتتكون من خمسة أعضاء بينهم اخصائي اجتماعي ومحاسب، ويوجد لديها حساب موحد في مؤسسة النقد يتبع وزارة الداخلية، مشيراً إلى أن هذه اللجنة تمثل جميع سجناء المملكة، حيث تتم إحالة الأوراق الثبوتية عن حالة كل سجين خاص في المملكة إلى اللجنة للنظر في إمكانية السداد عنه، موضحاً أنه تم السداد عن (830) سجيناً خلال الأربع سنوات الماضية بمبلغ تجاوز (17) مليون ريال. وأضاف: إنه لا يوجد مواطن سجين على مبلغ أقل من (8000) ريال، فالغالبية في حدود (30) ألف ريال، أما الأجانب فهناك من هو أقل من (8000) ريال وأكثر من ذلك، مؤكداً أنه يفترض على كل سجين أن لا يتوقع أن اللجنة سوف تسدد عنه، حتى لا يفكر المواطن المطلوب بمبالغ تقل عن (50) ألف ريال بالدخول إلى السجن للسداد عنه، ولكن اللجنة تسدد وفق إمكاناتها المادية أولاً، ثم مدى توافر الشروط على السجين ثانياً. وأشار إلى أن اللجنة تأخذ عمر السجين وحالته الصحية وعدد أفراد أسرته من أهم أولوياتها في السداد، فقد تم مثلاً السداد عن سجين مسن يبلغ من العمر (75) عاماً، وآخر من ذوي الاحتياجات الخاصة، فاللجنة تنظر إلى وضع السجين، وتدرس حالته الصحية والاجتماعية قبل السداد، مع تحديث بيانات السجناء بين وقت وآخر، موضحاً أن السجناء المطلوبين في مبالغ ما بين عشرة آلاف وعشرين ألفاً يفترض بقاؤهم في السجن لمدة معينة قبل السداد عنهم، أما ما دون ذلك فيتم السداد عنهم من أهل الخير فوراً. وقال إن المبالغ التي تتجاوز (50) ألف ريال لا تنظر فيها اللجنة نهائياً، ولكن يمكن المشاركة في حالات خاصة مع المطلوبين لإكمال ما ينقص على السجين من مبالغ وذلك في حدود ضيقة، مثل الديات، وحوادث السير التي قدرها الله سبحانه على السجين، مشيراً إلى جهود اللجنة مع لجان أخرى تنظر في أحوال السجناء ممن تتجاوز مديونيتهم (50) ألف ريال، حيث يوجه ولي الأمر في شهر رمضان لجنة لدراسة أوضاع سجناء الحق الخاص، ويتم السداد عن بعضهم بشروط وضوابط معينة، وقد يصل السداد عن البعض في مبالغ قد تصل إلى المليون ريال. وأضاف: إن لجنة السداد في المديرية تعتمد على الأوراق الثبوتية المرفقة في معاملة كل سجين، مثل: (الصك الشرعي، ومذكرة التوقيف، وشهادة حسن السيرة والسلوك) قبل السداد عن أي سجين، مشيراً إلى أنه لا يوجد لدى اللجنة اخصائي اجتماعي ميداني لمقابلة أسر السجناء والتأكد من أحوالهم وظروفهم الاجتماعية، حيث يصعب على اللجنة عمل ذلك، ولكن المهم أن ما هو موجود في الصك وبقاء السجين مدة طويلة دون سداد كافيان لمعرفة مدى مقدرة السجين على السداد. دعم المحسنين وأشاد العقيد الطويل بدعم أهل الخير والمحسنين للجنة، مؤكداً على أنهم سباقون للسداد عن السجناء، وخصوصاً أصحاب المبالغ التي تقل عن عشرة آلاف ريال، موضحاً أنهم يقدمون نموذجاً إنسانياً في التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع. وقال: من حق كل «فاعل خير» أن يتصل باللجنة وعرض أوراق السجناء الموقوفين عليه، مع الحفاظ على خصوصية السجين بعدم خروج أوراقه الخاصة خارج مكاتب اللجنة، كما له الحق بإيداع المبلغ في حساب اللجنة الموحد، أو تحرير شيك بقيمة المبلغ إلى «صاحب الحق» مباشرة، كما هو مدون في الصك الشرعي، أو مذكرة التوقيف. الآثار الاجتماعية والنفسية يؤكد د. العقيل على أن معظم سجناء الحق الخاص «ضحايا» التحول الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع السعودي حالياً، سواء على مستوى الأنظمة والقوانين، أو على مستوى «الموروث الثقافي» السائد في مجتمعنا، فالرجل قد يدخل السجن بسبب «قيمة الفزعة الاجتماعية» مع أخيه أو قريبه، إلى جانب «ثقافة الإغراء» من البنوك وغيرها التي تصل إلى الإنسان على هاتفه الجوال ووسائل الاتصال الأخرى، وبالتالي ينجذب إلى هذا النوع من التسويق ويقدم على القروض، وبالتالي يكون ضحية أمام واقع السداد أو السجن!. وقال: إن من أهم الآثار الاجتماعية لسجناء الحق الخاص هو تزعزع ثقة السجين في القيم والموروثات الاجتماعية، فالسجين الذي دخل السجن بسبب «الفزعة» بالتأكيد أن قيمة التكافل والوقوف مع «صاحب الكربة» ستقل إن لم تنعدم لديه، إلى جانب أنه قد يفقد وظيفته، وثقة أفراد المجتمع فيه، وتمتد هذه المعاناة إلى أسرته باعتباره أمامهم سجيناً مكبل اليدين، ولا يوجد لديهم عائل يقف معهم لتجاوز محنتهم سوى أهل الخير والجمعيات الخيرية، مشيراً إلى أن «الأب السجين» قد ينقل ثقافة السجن إلى أفراد أسرته، وهي ثقافة لم تكن موجودة في الأصل، وبالتالي تقل هيبة الجرم لديهم، وهيبة تطبيق النظام، وهيبة جهات الضبط أيضاً. ويضيف المحامي المحرج: إن سجين الحق الخاص قد يكتسب خبرات سلبية في النصب والاحتيال، كما قد يكتسب سلوكيات مخالفة، فالمرة الأولى التي دخل فيها السجن في قضية حق خاص قد يعود مرة أخرى في قضية تعاطي مخدرات مثلاً، كما أنه قد يخرج من السجن وهو ناقم.. ونفسيته مثقلة بهموم أسرته وعدم تقبل أفراد المجتمع له، حتى لو كان في الأصل ليس مجرماً وإنما مديون، مشيراً إلى قصة أسرة سجين اضطرت إلى بيع «الحبوب المخدرة» لسداد إيجار منزلهم، كذلك ترك الأولاد المدرسة لعدم قدرتهم شراء المستلزمات المدرسية، فهذه كارثة أن تتحول أسرة سجين حق خاص إلى هذا المستوى!! ويكشف العقيد الطويل جوانب نفسية واجتماعية أخرى لسجين الحق الخاص، وهي أن المطالب بحقوق مالية للغير وهو غير قادر على السداد يتهرب عن التوقيف ويعاني نفسياً حتى يتم القبض عليه وإيداعه في السجن، مما يترتب عليه حالة إحباط ويأس تستمر معه أحياناً على مدى حياته، وينعكس ذلك على الأسرة وما يتناقله الأقارب والجيران من أن «والدهم مسجون» وبالتالي تشعر هذه الأسرة بالفقر والحاجة في نظر المجتمع، مشيراً إلى أنه لحظة دخوله السجن يفقد الاتصال بشكل مباشر مع المجتمع وأسرته وهذا بحد ذاته أكبر تأثير نفسي على السجين، كما تتغير حياة أسرته «وتنقلب رأساً على عقب»، مما يضطر الأم أن تتحمل عبء المسؤولية التي لم تتهيأ لها، لذا من الطبيعي أن يخرج من هذه الأسرة أفراد منحرفون أو مكبلون بضغوط نفسية واجتماعية يصعب عليهم التخلص منها. التنسيق مع اللجان والجمعيات للسداد تتواجد عدة لجان وجمعيات تسهم في السداد عن سجناء الحق الخاص، ومن ذلك لجنة رعاية السجناء في إمارات المناطق، واللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم، وأسرهم، ولجنة السداد في المديرية العامة للسجون، إلى جانب الجمعيات الخيرية، وهذه اللجان والجمعيات كما يشير المحامي المحرج لا يوجد بينها في الغالب تنسيق أو اتصال، وأياً كان مستوى الاتصال فهو لا يرقى أن يكون عملاً مؤسسياً ممنهجاً بأطر تنظيمية، فالكل يعمل مجتهداً حسب إمكاناته المادية المتوافرة عليه، دون أن يكون بينهم رابط، سواء على مستوى الإجراءات والشروط والضوابط، أو حساب مالي موحد. وقال: إن ما يتم الآن هو اجتهاد فردي متواضع لا يرقى إلى حجم المشكلة التي يعانيها سجناء الحق الخاص، فلا يوجد لدينا إحصاء دقيق عن السجناء، ولا كذلك رغبة أو تحرك مؤسسي للإفادة من الخبرات الموجودة في الغرب الذين سبقونا في مجال تطبيق الخدمة الاجتماعية ذات الطابع التنظيمي الالزامي، فمثلاً سجين محكوم بمبلغ (50) ألف ريال، فما المانع أن يكون هناك اتفاق مع مؤسسات القطاع الخاص لتشغيل هذا السجين ويقتطع نسبة معينة من راتبه للسداد، وبالتالي «المديون» لا يدخل السجن، ويبقى بين أفراد أسرته، ونقلل مصروفات الحكومة تجاه السجناء. ويطالب العقيد الطويل بدور أكبر لوزارة الشؤون الاجتماعية في بحث حالة أسر السجناء، وتقديم تقارير دورية لهذه اللجان المناط بها السداد، حتى تتمكن من النظر في حالة السجين الاجتماعية والنفسية والتي قد تكون سبباً في السداد عنه. ويتفق د. العقيل مع العقيد الطويل في هذا الاتجاه، ويطرح تساؤلاً: كم عدد الاخصائيين الاجتماعيين في السجون مقارنة بأعداد السجناء؟، والإجابة أن الدور الاجتماعي داخل السجون ضعيف، وبالتالي لا بد من بحث حالة سجين الحق الخاص الذي دفعت به الظروف الاقتصادية إلى السجن. ضوابط لجنة السداد عن السجناء أولاً: التبرع المشروط من قبل المتبرع أو المحدد لأشخاص معينين يسدد مباشرة وفق شروط المتبرع. ثانياً: ضوابط السداد عن سجناء الحقوق الخاصة: - الأفضلية في السداد للسجناء السعوديين عن غيرهم. - السداد يقتصر على السجناء المسلمين دون غيرهم. - الأولية في السداد لرب الأسرة عن الأعزب، وكبير السن عن الصغير، والمريض عن المعافى، والفقير عن غيره. - أن يكون حسن السيرة والسلوك محافظاً على الصلوات. - الأولوية في السداد للمبالغ القليلة لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من السجناء. - الأولوية في السداد حسب تاريخ دخول السجن. - الأولية في السداد للسجناء الذين سددوا جزءاً من المطالبة أو تنازل صاحب الحق عن جزء معتبر من المطالبة أو اجتمع الأمران وذلك إذا توفرت الأسباب السابقة وتساوى السجناء في المبالغ المطلوبة. - الأولوية في السداد حسب نوعية المطالبة وفق الترتيب التالي: (ايجار منزل، الحوادث، النفقة الزوجية، المهور ومؤخر الصداق، الكفالات). - لم يسبق أن سدد عن السجين من قبل الجمعيات أو فاعلي الخير أو عن طريق اللجنة. - إذا كان السجين ملتحقا بالحلقات أو بالعنبر المثالي أو اعتنق الإسلام حديثاً بوضع في عين الاعتبار عند السداد. ثالثاً: ضوابط السداد عن السجناء في القضايا الجنائية. - أن يكون اطلاقه متوقفاً على سداد المبالغ المالية. - أن يكون من المحافظين على الصلوات وحسن السيرة والسلوك وملتحقا بحلقات تحفيظ القرآن الكريم. - لم تسجل عليه ملاحظات أو قضايا ولم يتم ضبط ممنوعات معه خلال سجنه. - ان يتم تزكيته من قبل المسؤول عن الإرشاد والتوجيه بالسجن. - ألا تتجاوز نسبة السداد عن أصحاب الحقوق الجنائية 10٪ من نسبة المسدد عنهم من سجناء الحقوق الخاصة. - أن يكون هناك سبب مقنع وقوي بالمطالبة بالسداد عنه كالحالات التالية: (مريض مرضاً شديداً لا يرجى برؤه مع إرفاق صورة من التقرير الطبي، كبير السن لا يقل عمره عن خمس وستين سنة مع إرفاق صورة هويته مصادق عليها، يعول أسرة لا تقل عن ثمانية أشخاص مع إرفاق صورة من كرت العائلة، أن يكون أبوه متوفى وأسرته لا عائل لهم سواه، أن يمضي في السجن فترة طويلة متوقف إطلاقه على السداد). مداخلة سجن المدين يعطله عن أداء الحق للدائن التساؤل الذي يطرح نفسه، هل السجن إجراء ناجح يؤدي إلى سداد المعسر ما عليه من حقوق؟ في الواقع من الناحية النظامية أن توقيف من لم يسدد ما صدر الحكم القضائي بلزومه في ذمته لادعائه الإعسار أمر جوازي لفضيلة ناظر القضية، لكن الواقع أن التطبيق الحاصل يسجن كل من ادعى عدم قدرته على السداد كأصل في التعامل، فضلاً على مخالفته للأصل العام في الحفاظ على الحريات وعلى نص المادة (230، 231، 232) من نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية - فهي أجازت التوقيف وهذا يعني أن الأصل عدم التوقيف - فإنها أيضاً لا تتفق مع المنطق حيث إن ايقاف المدين يعطله عن أداء الحق للدائن، ناهيك عما يترتب عليه من فقدان أسرة المدين عائلهم فتنتج عنه مشاكل اجتماعية كبيرة، ويكون أحد أسباب الجريمة، والقاعدة الشرعية على أن الضرر يزال، وإن الضرر لا يزال بضرر مثله، كما أن زيادة عدد الموقوفين، ولاشك أن السجن يثقل كاهل الدولة لما يترتب عليه من زيادة في الأعباء المالية. ولذا اقترح جملة من البدائل لسجناء الحق الخاص، منها: - التنسيق مع الجهات القضائية بعدم التوسع في إيقاف المحكوم عليهم وأن هذا يعد الأصل في الأمر ولا يصار إلى غيره إلا في حال ثبوت تلاعب المدين وأن لديه أموالاً لكنه يخفيها بأدلة واقعية وملموسة، بجميع الوسائل المتاحة، وحينها قد ينظر في تعزيره لمماطلته في السداد. - ربط جميع الدوائر الحكومية بنهاية طرفية، بحيث يظهر المطالب بحقوق خاصة فور مراجعته لأي دائرة، ولا يتم إنهاء الإجراء الذي يريده إلا بعد السداد، ماجد بن طالب محام ومستشار شرعي وقانوني البدائل المقترحة عن السجن * العقيد الطويل: أن تمنح المحاكم الشرعية ممثلة في القضاة صلاحية استقطاع مبلغ من راتب المدعى عليه لصالح صاحب الحق وان تجاوز الثلث أو كانت عليه أقساط أخرى، فهذا أفضل من سجنه وابتعاده عن أسرته، او حتى فصله من العمل كما هو مطبق في مؤسسات القطاع الخاص. أن يعمل المدعى عليه لدى صاحب الحق، لا سيما «المديونين» الأجانب ممن تقل مديونيتهم عن عشرة آلاف ريال. ايقاف المدعى عليه اسبوعاً والافراج عنه اسبوعاً آخر، وهكذا، حتى يشعر بمرارة السجن في الأسبوع الأول، ويبحث عن حل لمشكلته في الاسبوع الثاني، ويستمر ذلك لمدة ثلاثة أشهر، واذا لم يعالج المشكلة يودع في السجن. * المحامي المحرج: التوظيف الخيري لسجناء الحق الخاص في الشركات والمؤسسات الكبرى في المجتمع، عوضاً عن الضريبة المعمول بها في دول أخرى، لا سيما وان غالبية هؤلاء السجناء مؤهلون علمياً وبعضهم يحمل تأهيلاً عالياً، وذلك وفق ضوابط محددة أهمها توافر الكفالة. ايجاد حلول وسط بين الدائن والمدين من خلال العمل، فمعظم سجناء الحق الخاص مديونون لبنوك او شركات سيارات، فالسجين الذي تتوفر لديه القدرة والخبرة أن يمارس العمل في البنك او شركة السيارات يمكن أن يستفاد منه لسداد دينه. * د. العقيل: منح صلاحية للقاضي في تعدد الخيارات المتاحة أمامه بحسب مقدار الدين، على أن يكون خيار السجن ليس مطروحاً كحل أولي، وإنما يعطى مهلة للسداد (و إن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة)، وهذه المهلة تكون كافية للسداد، فالمهلة بدون وقت كاف لا فائدة منها. نساء يسجن أزواجهن! كشف العقيد عبدالمحسن الطويل أثناء حديثه عن أوضاع سجناء الحق الخاص، مواقف عدد من النساء اللائي تقدمن بشكوى ضد أزواجهن (سواء ممن دخلوا عليهن أو مازالوا بموجب عقد النكاح) بسبب عدم التزام هؤلاء الأزواج بدفع قيمة المهر كاملاً.. وقال: «هناك أزواج بالفعل تم السداد عنهم بواسطة اللجنة، بعد أن مكثوا مدداً طويلة في السجن»، مشيراً الى أن هذه المبالغ تتراوح ما بين 15 - 20 ألف ريال. .. ونساء في السجن بسبب مهر الخلع! كما كشف العقيد الطويل عن نساء مسجونات بسبب عدم التزامهن بدفع عوض الخلع للزوج، مشيراً الى أن اللجنة قامت بالسداد عن كثير من هؤلاء النساء ولا يزال هناك أعداد قليلة تنتظر السداد، مشيداً بتعاون أهل الخير والمحسنين في السداد عنهن. نقطة خلاف ترحيل الأجانب المدينين طالب العقيد عبدالمحسن الطويل بترحيل الأجنبي المدين بمبالغ تصل الى (10 أو 15) ألف ريال، وتسديد الحكومة ما في ذمته للغير، معللاً ذلك بأن السجين يكلف شهرياً حوالي 11 ألف ريال، فبقاؤه عدة أشهر يعني أنه كلف الحكومة مبالغ طائلة ولا جدوى من سجنه لأنه غير قادر على السداد. ويخالفه الرأي المحامي بندر المحرج من أن فكرة سداد الحكومة على الاجنبي ستفتح المجال أمام أجانب آخرين للاستدانة، وربما يدفعهم ذلك الى النصب والاحتيال. نقطة نظام موقف أصحاب الحق تتفاوت مواقف اصحاب الحق تجاه سجناء الحق الخاص، فالبعض يمتنع عن خروجه من السجن حتى يتم السداد عنه وهم الغالبية، والبعض الآخر يمنحه مهلة محدودة لسداد المبلغ كاملاً، والفئة الثالثة تسعى الى تقسيط المبالغ. وهذه المواقف المتباينة لا تخضع لأنظمة تحدد مراحل السداد، وانما بحسب تقدير صاحب الحق «الدائن» لحالة السجين.. والمطلوب سن قوانين تراعي بين حق الدائن وعجز المدين عن السداد، لأن السجن ليس حلاً للمشكلة، وانما يزيد من تبعاتها الأسرية والمجتمعية..!