أجمع خبراء شؤون اقتصادية أن الاقتصاد المصري سوف يتعافى ولدية القدرة على مواجهة التحديات، مؤكدين أن الحكومة الحالية رغم أنها حكومة انتقالية سوف تقود البلاد بكفاءة واقتدار نظرا لما تضمه من خبرات قادرة على التكيف وبها وزراء يستطيعون إدارة المرحلة الانتقالية. وشددوا على أهمية عودة المسار السياسي إلى طبيعته بعد فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، منوهين أن المرحلة الأهم هي العودة للإنتاج ودوران عجلة الإنتاج. وقال الخبراء عبر ندوة نظمتها «عكاظ» ناقشت الإجراءات التي يمكن أن تتخذ لمواجهة الوضع الاقتصادي المتردي والحلول الممكنة، إن نجاح المسار الاقتصادي وعودة الأمن والاستقرار هما الضمان الحقيقي لعودة عجلة الإنتاج وجذب الاستثمارات. وأكد وكيل وزارة السياحة السابق الدكتور فوزي هيكل ورئيس مجلس الأعمال المصري الأسترالي الدكتور مصطفى إبراهيم ، عادل السن مستشار المنظمة العربية للتنمية الإدارية ورئيس المجلس الدولي للإدارة الدكتور محسن صادق أنه لا يمكن رفع الدعم أبدا عن الشعب وأن أي حكومة لا يمكن أن تلجأ لهذا الحل مع أهمية عدم رفع الأسعار.. فإلى تفاصيل الندوة: مصر ماذا تحتاج بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة واستكمال بناء السلطة التنفيذية باختيار المحافظين بعد تشكيل الحكومة المؤقتة ؟ فوزي هيكل: إننا الآن في حاجة ماسة لخطة «مارشال» مصرية لإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار على غرار ما فعلته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى خطة عاجلة للإصلاح الاقتصادي ولكن هناك إجراءات سابقة على البدء في تطبيق أي خطة للإصلاح الاقتصادي منها الأمن والتوافق السياسي وهي أمور مرتبطة ببعضها، والتوافق السياسي أمر مطلوب جدا من أجل إنقاذ اقتصاد مصر، تحت في حاجة الآن للالتفات على المشكلة الاقتصادية بعيدا عن الصراعات السياسية ولكن مع وجود مرونة من مؤسسة الرئاسة مع جميع القوي السياسية وهذا التوافق سوف يزيد من اللحمة بين كل التيارات السياسية خاصة أن الدستور على الرغم من إقراره فسوف يكون قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة. ما مدي تأثير إقرار دستور جديد في تحقيق نوع من الاستقرار السياسي في البلاد ؟ فوزي هيكل: لا أعتقد حدوث ذلك على ضوء التجربة السابقة لأن الدستور في حد ذاته غير متوافق عليه من الجميع ومن صوت على الدستور رقم متدني جدا مقارنة بما تم في انتخابات الرئاسة وهذا دليل على عدم التوافق، كما أن البرنامج الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة غير واضح المعالم والإجراءات الاقتصادية التي تتحدث عنها الحكومة (أقصد حكومة الدكتور هشام قنديل السابقة) هي نفس الإجراءات التي صدرت بمرسوم بقانون وتم التراجع عنه لعدم التأثير على عملية التصويت على الدستور السابق كما أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لم يتحدث من قريب أو من بعيد عن زيادة الضرائب ولكنه كان يتحدث عن زيادة الموارد. ويتابع هيكل، أن مصر الآن تعيش وضعا قريب من وضع أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبالتالي نحن في حاجة إلى خطة مارشال مصرية لإنقاذ الوضع المتردي وهذا الأمر يحتاج إلى وقف تدهور علاقات مصر بعدد من الدول العربية التي دائما تبدي استعداها لمساعدة مصر. ما هي من منظوركم المهام الاقتصادية العاجلة للحكومة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر بعد فض الاعتصامات ؟ الدكتور عادل السن: يقع على الحكومة المصرية التي تم تشكيلها مؤخرا برئاسة الدكتور حازم الببلاوي بعد ثورة 30 يونيو مهام اقتصادية عاجلة تضمن تحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر، فالحقيقة أن هذه الحكومة لا يمكن أن يطلق عليها حكومة تسيير أعمال إن كانت ذات طبيعة مؤقتة، حيث توجد مهام جسام ملقاة على عاتقها تتمثل في البدء فورا في اتخاذ خطوات جادة لتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية الردئية. وهذه الحكومة والتي يغلب عليها الطابع الليبرالي تضم العديد من الكفاءات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وخبرات تراكمية كبيرة يمكن الاستفادة منها. ومن وجهة نظري كخبير اقتصادي، إن أهم المهام العاجلة للحكومة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر تتمثل فيما يلي: أولا: إجراء إصلاح جوهري وفوري لنظام الأجور بوضع حد أدنى مطلق للأجر للعاملين بالدولة والقطاع الخاص بحيث يكفي حياة كريمة ويستجيب لتطلعات النقابات العمالية والمهنية، على أن يتغير سنويا بنفس معدل التضخم السنوي المعلن رسميا من الدولة، كذلك وضع حد أقصى للأجر للعاملين لدى الدولة قد يكون 15 أو 20 ضعف الحد الأدنى على الأكثر. ثانيا: وضع توصيف وظيفي ومهني يتم تحديد الأجور على أساسه بشكل متساو أو متقارب للعاملين بالدولة على أن يتم وضع نظام صارم للثواب والعقاب لضمان قيام العاملين بواجباتهم الوظيفية وعدم إهدار وقت العمل. ثالثا: إجراء إصلاحات حاسمة وجوهرية على الموازنة العامة للدولة من خلال اتباع مجموعة من الإجراءات التي تؤدي إلى التحكم في المحافظة على ثبات المستوى العام للأسعار واستقرار قيمة النقود في الأسواق الداخلية للاقتصاد وسعر الصرف الخارجي. ولعل أهم إجراءات إصلاح عجز الموازنة هي إصلاح منظومة دعم مواد الطاقة والكهرباء بإبقاء الدعم للفقراء والطبقة الوسطى والشركات كثيفة الاستخدام للعمالة، وبإزالته كليا عن الأثرياء والشركات التي تبيع إنتاجها بالأسعار العالمية أو بأعلى منها. كما أن إصلاح الموازنة بتطلب تخفيض فائدة قروض الدولة من البنوك لمستويات مضمونة وتخفيض مدفوعات الفائدة بناء على ذلك. رابعا: إصلاح النظام الضريبي بما يكفل تنشيط الإيرادات العامة للدولة وذلك بوجود نظام متعدد الشرائح وتصاعدي على دخل الأفراد وأرباح الشركات بما يحقق العدالة الضريبية النسبية ويرفع الحصيلة الضريبية مع اتباع آليات محكمة لتحصيل الضرائب ومنع التهرب منها. خامسا: توريد الأموال التي يتم الاحتفاظ بها في الصناديق الخاصة إلى وزارة المالية لتدخل ضمن الإيرادات العامة للدولة باعتبارها السطة السيادية للدولة. سادسا: أن تقوم الحكومة برفع حجم ونسبة الانفاق العام على الصحة والتعليم لتقديم خدمات صحية تعليمية جيدة للفقراء ومحدودي الدخل وغالية شرائح الطبقة الوسطى. وختاما، فإن السياسات التي تستهدف تعزيز مستويات الإنتاجية والكفاءة ورفع معدلات التشغيل هي الكفيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيف تأثير التقلبات الاقتصادية على النمو الاقتصادي ومستويات المعيشة، ولعل السياسات المالية والنقدية من أهم الأدوات الخاصة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي. مؤشرات الأزمة ** الدكتور محسن طه صادق: إن الوضع الاقتصادي في مصر مترد وهذا واضح للعيان ويمكن لأي متخصص أن يرصد هذا ويحدده من خلال مجموعة من المؤشرات: الأول هو التذبذب الحاد في مستوى أداء البورصة المصرية من حيث المكاسب والخسائر، والمؤشر الثاني هو تآكل الاحتياطي النقدي الموجود لدى البنك المركزي الذي انخفض من 36 مليار دولار قبل الثورة إلى أقل من 15 مليار حاليا وهذا مؤشر خطير جدا يوحي بضعف وهشاشة الوضع الاقتصادي الراهن. أما المؤشر الثالث فهو حالة الكساد التي تسيطر على معظم الأسواق المصرية. ويضاف إلى ذلك حالة عدم الاستقرار السياسي والاستقطاب الحاد بين جميع التيارات والاتجاهات السياسية الموجودة. أن كل هذه المؤشرات تؤثر سلبيا على الوضع العام في مصر وتؤثر بالتالي على معظم القطاعات وتنعكس تداعياتها بدون تحليل اقتصادي على قطاع هام ومؤثر جدا في الاقتصاد المصري وهو قطاع السياحة حيث تعاني الفنادق في معظم المناطق السياحية من تدني نسب الأشغال فيها إلى معدلات غير مسبوقة رغم أننا الآن في قمة الموسم السياحي نظرا للاحتفال. اقتصاد وسياسة ** مصطفى إبراهيم: بداية لابد أن نعترف أن هناك مريض ومرض ثم العلاج المرض هو الوضع السياسي والمريض الاقتصاد والعلاج باختصار كبير أنه إذا تحسن الوضع السياسي سوف يتحسن الاقتصاد بشكل إيجابي وسريع. طالما أننا قلنا أن الحكومة الحالية مؤقته والجميع يعلم أنها حكومة مؤقته بما فيهم أعضاءها فستكون حلولها مؤقتة وليست دائمة، وبما أن تلك الحكومة تضم كفاءات فهي قد تضع المشكلات الاقتصادية على بداية طريق الحل ومهمتها أنها سوف تتجاوز على الوضع القائم لأنه في ظل الوضع الحالي الاستثمارات الخارجية معطلة والسياحة معطلة وتم إغلاق 4200 مصنع وجزء كبير يعمل بالمسكنات لذلك ستعمل الحكومة على استغلال الأصول على المستغلة وتفعيل المشاريع التى تعمل بالفعل، ولهذا لابد من تحويل قطاع كبير إلى قطاع ملاك. أما الحديث عن رفع الدعم فلا يمكن لأي حكومة أن تلجأ لهذا لأن الدعم شىء أساسي في حياة المصريين وهناك حديث عن رفع الدعم منذ حكم الرئيس جمال عبدالناصر وإلى الآن ولم يتم رفعه أبدا لكن من الممكن اتخاذ إجراءات شديدة القسوة في تلك الفترة القصيرة من أجل وقف نزيف الاقتصاد وخلق إيجابيات من أجل أن نرى النور في آخر النفق الحكومة الحالية بها كفاءات وأعضاء لديهم خلفية اقتصادية كبيرة وجيدة لدينا في مصر مجموعة مشروعات جيدة نبدأ فى تنفيذها مع منح أولوية للصناعات الصغيرة والمتوسطة. ويضيف إبراهيم: أن تنوع الاقتصاد المصري تنوع جميل للغاية ويعطى لأي استثمار عائد ممتاز وتعد مصر من أهم أماكن الاستثمار في العالم لأن العائد مرتفع فمع عودة الاستقرار السياسي سوف تعود الأمور وتعود الاستثمارات لمصر، أم الآن يجب أن تعمل الاستثمارات المتوقفه وأن تعود عجلة الإنتاج داخليا ومواجهه تلك التحديات والحكومة الحالي لديها القدرة على مواجهة كل تلك التحديات لا سيما وأنها متجانسة وتعمل بروح الفريق الواحد بدليل أن وزير الإسكان قرر تنفيذ إنشاء 2 مليون وحدة سكنية وهذا معناه استيعاب عمالة وتحريك 93 صناعة مرتبطة بقطاع الإنشاءات والتعمير. أما قطاع السياحة في مصر فيمكن أن يعمل خلال 24 ساعة المشكلة مشكلة تسويق فقط عندما تهدأ الأوضاع السياسية وبمجرد الإعلان العالمي عن ذلك سوف تعود السياحة لأنه قطاع لا يمكن للسائحين العالميين الاستغناء عنه. هل الحكومة فى ظل ظروفها ومهمتها الانتقالية مؤهلة وقادرة على اتخاذ اجراءات اقتصادية عاجلة في الداخل لمواجهة الوضع الاقتصادي المتردي وما هى هذة الإجراءات من وجهه نظركم هل رفع الدعم مثلا وهل هناك بدائل لتحريك الإنتاج والعمل ؟ الدكتور فوزى هيكل: هناك بلا أدنى شك وضع اقتصادى صعب للغاية والمساعدات الخارجية التى ساعدت بها المملكة والكويت والإمارات كان لها مفعول السحر على الاقتصاد بل لست مبالغا إذا قلت أن تلك المساعدات ساعدت في إنقاذ الاقتصاد من الانهيار لأنها جاءت في مرحلة هامة للغاية وفارقة في تاريخ مصر، وهذا هو دور الأشقاء وإحساس تلك الدور بأهمية دور مصر المحوري في المنطقة لأنها بالفعل هي حجر الزاوية لأى تحرك عربي تلك المساعدت ساعدت أولا على وقف نزيف الجنية ومنعت تأكله ومنحته قدرة على الثبات وأرى حاليا ارتباط قدرة الحكومة على إجراء الإصلاحات الاقتصادية بنجاح التجربة الديمقراطية الدول التي تنجز التحول الديمقراطى بشكل سريع تنمو اقتصاديا بشكل أسرع بنحو 1% مقارنة بوضعها قبل التحول الديمقراطي. ** الدكتور محسن صادق: اتفق مع ما قالة الدكتور فوزي هيكل و«على النقيض، فالدول التي تستغرق أكثر من ثلاثة سنوات (في التحول الديمقراطي) تعانى طول أمد النمو الاقتصادى الضعيف»، أن مصر تقترب من إتمام ثلاثة سنوات في عملية التحول الديمقراطي، أرى أن البلاد تحتاج إلى «خطة شاملة ومستقبلية لتفعيل الديمقراطية وإجراء الإصلاحات الاقتصادية السريعة. تكلفة استمرار التأخر ستكون ضخمة، حيث ستشهد البلاد سنوات من البطالة المرتفعة». وبفضل النجاح في التحول الديمقراطي بشكل سريع استطاعت كل من تشيلي وبولاندا وكويا الجنوبية تحقيق أداء اقتصادي أفضل خلال العقد الأول بعد إتمام التحول الديمقراطية، مقارنة بكل من المكسيك ورومانيا وزامبيا التي شهدت بطئا فى التحول الديمقراطي. ** الدكتور مصطفى إبراهيم: أنا فقط أحذر من اعتماد مصر بشكل كبير في الفترة الأخيرة على القروض لتدبير احتياجاتها الأساسية، بينما لم تقم البلاد بإصلاحات في مجال إعادة هيكلة الدعم، هناك أمامنا طريقان لتحقيق الإصلاح الاقتصادي، إما أن يستطيع أن نجد مجالا لزيادة الدعم السياسي له مما يكسبه الشرعية اللازمة التي يستطيع من خلالها تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، والإصلاحات السياسية ستساهم أيضا في تخفيف التوتر مع المانحين الغربيين، وستشجع المستثمرين والسياح، ومع وضع خطة اقتصادية جادة نرسل للعالم إشارة واضحة أن مصر مفتوحة للاستثمارات.