ينفرد شهر الخير والبركة والعطاء بأيامه ولياليه والروحانية التي تسمو وترتقي بها الأنفس عن متاع الحياة، ولكن جزءا من تراث الحارة التي كانت تمد الأطباق على طول الطريق، كانت دعوة تلقائية خيرية لعابري السبيل تعكس روحانية الشهر الفضيل، وهذا الجو الروحاني الذي غيبته الحضارة، لم يتبق منه سوى ما علق في ذاكرة كبار السن الذين يتذكرونه بالحنين والشوق بعد أن أصبح إرثا قديما، فقد كانت الموائد الرمضانية في السابق تقوم على البساطة والتلقائية، وكان يجتمع إمام المسجد والمؤذن وأهالي الحارة، على مائدة الإفطار كما كان يشهد تواجدا لعابري السبيل الذين يمرون عبر القرى في طريق تجارتهم أو سفرهم للعمرة أو الحج. ويقول العم محمد عبدالله : إن الإفطار الجماعي في ساحة المسجد ظل لسنوات طويلة من تراث أبو عريش وقرى المحافظة، وكانت الأطباق الشهية تمتد على طول الطريق لكن بعد ذلك تغيرت الأحوال وانحسر هذا المظهر نوعيا لانشغال الناس بأعمالهم ووظائفهم وظل إرثا قديما نتذكره بالحنين والشوق، مبديا اندهاشه من فئة الشباب وزملاء العمل الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي مثل «الفيسبوك وتويتر والواتس أب» لتنظيم موائد الإفطار الرمضانية. ويتفق معه الشاب علي كريري الذي يقول : إن التمدن غيب الإفطار الجماعي خلال السنوات الأخيرة ولذلك عمدنا إلى مثل هذه التجمعات الخاصة التي أعادت مظهر الإفطار الجماعي للواجهة مجددا حيث اجتمعت بأصدقائي عبر برنامج الواتس أب وتم تحديد المكان والزمان إلكترونيا وكان الجميع متواجدا في جلسة رمضانية احتوت على الإفطار الجماعي ثم أدينا معا صلاة المغرب وبقينا نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث إلى قبيل صلاة العشاء. ويختزن الشاب عبد الله السهلي في داخله ذكريات الطفولة وكيف كان يحمل الأطعمة عندما كان طفلا من المنزل إلى ساحة الحارة، مشيرا إلى أن أبناءه لا يعلمون شيئا عن تلك الموائد الجماعية، مؤكدا أنه يحرص على إحضار الأطفال إلى هذه الموائد لكي يحافظوا على هذا المظهر الرمضاني الاجتماعي. ويصف العم يحيى ناصر، أيام رمضان قبل أكثر من 70 عاما قائلا: «كنا نجتمع قبيل أذان المغرب على مائدة واحدة تكون مجهزة مسبقا في المنازل، وكان جميع أفراد الحارة كبارا وصغارا يجتمعون جوار المسجد، وكنا نردد مع المؤذن أذان المغرب ليأتي بعدها تناول الإفطار.. ويضيف: قلوبنا كانت متآلفة فبعد الصلاة كان إمام المسجد يقدم درسا في آداب الصيام وأحكامه، ثم نعود لاحتساء القهوة وتجاذب أطراف الحديث، وعقب صلاة التراويح كنا نجتمع عند شيخ الحارة في جلسة رمضانية، تتخللها وجبة العشاء والأحاديث الرمضانية الرائعة.