ما أجمل أن يدخل الإنسان السرور على آخر، وما أجمل أن يقض له حاجة، أو يكف عنه عناء، أو يفرج عنه كربة، وقد كان السلف رضي الله عنهم يتحسسون مثل هذه الأمور ويسعون في قضاء حوائج الناس يبتغون الأجر من الله عز وجل ويريدونها خبيئة بينهم وبين الله، ولذلك كانت تلك الأعمال كنجوم تهتدي بها الأمة على مر الزمن، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه -خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم- كان قبل الخلافة يحلب لأهل الحي أغنامهم، فلما تولى الخلافة قالت جارية من الحي: «الآن لا يحلب لنا» وظنت أن تلك الخدمة ستنقطع عنهم ويصيبهم العناء. والشياه تحتاج من يعلفها ويحلبها ويرعاها. وكم من الأسر في الماضي والحاضر تعيش على تربية المواشي، ولكن اسمع الرد الجميل من الصديق عندما رد عليها فقال: «بلى لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه» فالمقصود من هذا أن لا يبخل الإنسان على نفسه بالخير، فمن يقدم المعروف فهو المستفيد الأول وكل على قدر استطاعته فلا يمنع المنصب والجاه وكثرة المال والمكانة الاجتماعية الإنسان من أن يبحث عن أرملة فيعطيها طعاما، أو أيتام فيسأل عن احتياجاتهم ويقضيها لهم أو عن مريض وبخاصة الأقارب فيعودهم ويدخل السرور عليهم ويخفف من أوجاعهم، أو جار ضاقت عليه الأرض بما رحبت ولا يستطيع الخروج من المنزل بسبب الهموم، فيجلس إليه ويسمعه ويساعده إما بمشورة أو يقدم له مالا أو يشفع له أو يحل خلافا بينه وبين زوجته أو بينه وبين أحد أولاده. والمرء إذا استطاع كسر كبرياء نفسه نزل من قمم الوهم وأصبح «إنسانا» يفتح الله عليه ويريه أبواب الخير، ويدله عليها، فعندها يستطيع أن يبعد الأذى عن الطريق بدلا من لوم الآخرين، ويرفع القذى من المسجد، ويرص المصاحف في مكانها، ويلقي السلام على من يعرف ومن لا يعرف. إن هذه الأعمال البسيطة والجليلة معا تخلق توازنا نفسيا، وتريح النفس، وكأنها طوفان يجرف أكوام الحزن والكآبة من النفس. أختم بهذا الحديث النبوي الشريف وأترك لك أخي القارئ التأمل فيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: «امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين» علاجان نبويان ناجعان لقسوة القلوب وعللها. عبدالرحمن علي حمياني (المخواة)