منذ عدة أعوام وخلال الاحتفالات بمئوية السينما المصرية تم اختيار فيلم «الزوجة الثانية» ليكون واحدا من أهم وأعظم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.. كان الفيلم الذي أنتج عام 1967، وأخرجه صلاح أبو سيف ولعب بطولته سعاد حسني وشكري سرحان وسناء جميل، عن قصة لأحمد رشدي صالح يروي حكاية اجتماعية في قرية مصرية تكشف حجم القهر والتسلط من حاكم القرية على أهلها، ويكشف الصراع الدائر خلال أحداث الرواية عن نجاح بعض أهل القرية باستخدام الحيلة في الانتقام من هذا العمدة الذي يمثل جبروت الحاكم في كل زمان ومكان، وذلك من خلال رغبة هذا العمدة في إنجاب ابن يورثه ويحمل اسمه ويكتبه باسم زوجته الأولى، فيطمع في خادمته ويجبر زوجها الفقير على تطليقها ويتزوجها قسرا، من خلال تهديده بتلفيق تهمة له، ولكنها تستخدم الحيلة في إبعاده عنها وتستمر علاقتها بزوجها، وينتهي الفيلم بإصابة العمدة بالشلل عند علمه بحملها من زوجها ليموت العمدة، وتعيد المرأة المقهورة الحقوق لأصحابها. هذه الفكرة الرائعة التي خلدتها السينما مثلما خلدها الأدب عادت الدراما المصرية التي تعشق البحث في الدفاتر القديمة بهدف الاستنساخ السهل لإنتاجها في مسلسل يحمل نفس الاسم، ولكن من بطولة كل من آيتن عامر، عمرو عبدالجليل، علا غانم وعمرو واكد، حيث جاء المسلسل الذي أخرجه خيري بشارة ليكشف عن حالة الإفلاس الفني والتكرار الممل عبر سيناريو سخيف ومترهل وأداء باهت، يجعل المقارنة بين أبطال الفيلم المدهش والمسلسل البائس قادرة على توجيه الضربة القاضية للمسلسل الذي من المتوقع فشله بالسكتة الدرامية. والمشكلة الأولى التي يعاني منها المسلسل هي السيناريو الذي حاول مط أحداثا لا تحتمل، ولي ذراع الدراما لتتحمل ما لا يمكن تحمله، لتكتشف مع نهاية كل حلقة أن حصيلة المعلومات الواردة كلها لا تحتاج أكثر من مشهد واحد في دقيقتين أو ثلاث على الأكثر، لتظهر هنا آفة المسلسلات المصرية التي تبحث عن المكسب ولو كان على حساب مصداقية الدراما.. أما المشكلة الثانية فهي في أداء الممثلين الذين خابوا في مجملهم في الوصول لعمق العمل مثلما وجدوا أنفسهم في مواجهة عمالقة الفيلم أمثال صلاح منصور وشكري سرحان وسعاد حسني وسناء جميل وعبدالمنعم إبراهيم وسهير المرشدي، فإذا بنا أمام سخف غير مسبوق من عمرو عبدالجليل الذي راح يكرر أداءه في فيلم «كلمني شكرا» مع خلطه باقتباس رديء من أداء العملاق صلاح السعدني في مسلسل «ليالي الحلمية» وشخصية العمدة المدهشة، فتاه في دهاليز الشخصية وأفقدها عمقها الذي من المفروض أن يجمع بين الشدة والقهر مع أهل القرية والضعف الشديد أمام النساء.. وبدا أداء أيتن عامر باهتا مشتتا لشخصية الزوجة الثانية التي قدمتها القديرة سعاد حسني لتجمع بين المكر والطيبة وعشقها للزوج والأولاد وكيدها العظيم مع العمدة الذي تزوجها قسرا، فظهرت آيتن ضامرة مقهورة فاقدة للجمال الكافي والأنوثة الطاغية، تلك التي سلبت العمدة عقله وقلبه وجعلته يهيم على وجهه.. فشتان بين طغيان السندريلا شكلا وأداءا، وبين اجتهاد ممثلة لا زالت تحبو في عالم التمثيل.. وربما كانت علا غانم أكثر قدرة على الإقتراب من شخصية زوجة العمدة المتسلطة المكسورة كامرأة غير قادرة على الإنجاب ومضطرة للموافقة على زواج زوجها بأخرى لتلاطمها مشاعر الغيرة وانفعالات يختلط فيها العنف بالانكسار والأمومة التي حرمت منها بالضعف والانقسام.. كانت علا فعلا قادرة على سبر أغوار الشخصية، ولكنها لم تصل رغم ذلك لروعة وطبيعية الراحلة سناء جميل.. ولم ينجح عمرو واكد في الوصول بشخصية أبو العلا لقمة انكسارها كما أداها العملاق الراحل شكري سرحان رغم محاولاته المتكررة خلال الحلقات. وإذا كان الأداء هو المشكلة الثانية أمام هذا المسلسل فإن مشكلة ثالثة واجهته وهي مسؤولية المخرج والتي تتعلق بالملابس واللهجة الفلاحي والفترة الزمنية التي لا تتسق مع كل ذلك، لدرجة أنك تسأل نفسك أحيانا: أين هذا البيت الريفي الذي يطل فيه بيت الأخ من الدور الثاني على دور أخيه العمدة حيث ترشق زوجة الأخ سلفتها «في الرايحة والجاية» كما يقولون؟ وهذه المشكلة لها علاقة بخيري بشارة كمخرج تعلم في تشيكوسلوفاكيا وعاش في حي قاهري شعبي عريق هو شبرا، لكنه بالتأكيد فاقد الدراية بالريف المصري، وكل ذلك رغم رائعته «الطوق والإسورة» إبان الثمانينات والتي دارت أحداثها في الصعيد، حيث غلب الفلكلور أكثر وطغت التسجيلية التي يجيدها، لكن في قرية «أحمد رشدي صالح» يتوه المخرج المخضرم ويفقد تسجيليته أمام سيناريو مشوه لعمل كان وسيظل واحدا من أهم الروايات والأفلام في تاريخ الأدب والسينما المصرية.. أما المسلسل فهو سقطة أساءت لكل من شارك فيها.