تجابه نزيلات الأربطة الخيرية في جدة التاريخية، قسوة الحياة التي يعشنها بالصبر والصمت وعدم البوح بمعاناتهن إلا لله، مفضلات إكمال ما تبقى من اعمارهن في هدوء، وذكر الله والاستعانة به لتجاوز النوائب التي تداهمهن من حين لآخر، إلا أن «عكاظ» اقتربت منهن وحاولت سبر غور حياتهن داخل حوائط الأربطة التي تخفى بينها كثيرا من الأحداث والآلام، فرفض غالبيتهن الحديث والتصوير، ولم يتجاوب سوى عدد قليل منهم سردن جزءا من معاناتهن لعلهن يجدن حلا لها. وروت أم محمد أن الرباط الذي تعيش فيه مع زميلاتها يفتقد للماء والغذاء والصحة، وقالت «كلنا في هذا المكان لا ننكر فضل فاعلي الخير الذين وفروا لنا المأوى، لكن تمر بنا في بعض الأحيان ايام عدة دون ان نجد الغذاء، فضلا عن أن الماء يغيب عنا لنحو اسبوع، ما يفاقم معاناتنا، لا سيما ان غالبية القاطنات في الرباط طاعنات في السن، ويحتجن رعاية خاصة»، موضحة أن السواد الأعظم من ساكنات الاربطة تجاوزن الستين، ويعانين من أمراض الشيخوخة ما يتطلب متابعة من قبل فرق ميدانية تتبع لوزارة الصحة. واتفقت فاتنة محمد مع سابقتها، مؤكدة أنهن لا يمتلكن المال الكافي والقدرة على زيارة المستشفيات، كما لا يجدن الطعام إلا ما يجود به عليهن أهل الإحسان والخير. وقالت «أنظر إلى الغرفة المتهالكة التي نقطنها، فهي عنوان للحياة التي نعيشها، ورغم تصدع الحوائط حولنا، إلا أننا ندين لها بالفضل بعد أن آوتنا وسترتنا، في وقت تخلى عنا الأقرباء»، مبينة أنهن لا يملكن من متاع الدنيا إلا أغطية وأسمالا بالية، لا تقيهن برد الشتاء. في حين تمنت عائشة حامد توفير حراسات أمنية للأربطة الخيرية، خصوصا أنه ليس لهن القدرة على إعداد طعامهن، فضلا عن حماية أنفسهن عند حدوث أي مكروه. واقترحت أن تشرف على الأربطة جهات خيرية بطريقة مباشرة، والتعهد برعايتها وتوفير المتطلبات الأساسية للنزيلات، ملمحة إلى أن الرباط الذي تسكن فيه يفتقد للترميم من الداخل، خصوصا دورات المياه التي لا تصلح للاستخدام الآدمي على حد قولها. وطالبت عائشة الجهات الخيرية والرسمية بالإشراف على أمور التغذية والوجبات، محذرة من تدني مستوى النظافة في الرباط، مبينة أنهن تعايشن مع الجرذان والحشرات الضارة، ويتمنين أن يعشن في بيئة صحية بعيدا عن كل ما يهددهن. وكان محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد وجه بوضع لائحة موحدة ل(المسؤولية الاجتماعية) للعناية بالأربطة الخيرية يشرف عليها فرع وزارة الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة للمحافظة على الأربطة والعناية بالمستفيدين منها وتقديم الخدمات اللازمة لهم في القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية مع التأكد من سلامة المنشآت هندسيا في ظل وصول أعمار بعضها إلى 100 عام. جاء ذلك ضمن ورشة عقدت مؤخرا بالغرفة التجارية الصناعية بجدة ممثلة في مركز جدة للمسؤولية الاجتماعية بحضور عضو المجلس المحلي بالمحافظة محمد عمر ولي لوضع تصور خاص بتطوير الأربطة الخيرية التي يصل عددها بجدة إلى 63 رباطا خيريا. وأوضح عضو المجلس المحلي بمحافظة جدة المهندس محمد عمر ولي أن الورشة بحثت تطوير الأربطة وجعلها نماذج خيرية نافعة لقاطنيها، مشددا على صدور توجيهات محافظ جدة بسرعة وضع لائحة تنظم إدارة الأربطة التي يدار معظمها بشكل عشوائي وتفتقر إلى أعمال الصيانة اللازمة وتواضع الخدمات المقدمة فيها بمجهودات ذاتية وتطوعية، مؤكدا حرص المحافظ على الارتقاء بهذه الخدمات وفق أسلوب علمي مبني على توصيات ورش عمل ولقاءات متواصلة. وقال إن الورشة ناقشت مساعدة الساكنين في الأربطة الخيرية على تعليم أبنائهم وتأهيلهم مهنيا ومساعدتهم في الحصول على وظائف في القطاع الخاص والعام وإشراكهم في برامج الأسر المنتجة وتمكينهم من الاستفادة من برامج صندوق الموارد البشرية وحصر الاحتياجات العينية وغيرها للمقيمين في الأربطة من أفراد وأسر.