لاتزال جولات "الوطن" الميدانية على الأحياء المتضررة بجدة، تكشف المزيد من الحالات الإنسانية التي أضاف السيل عليها مزيداً من المعاناة، وربما كشف في أحيان أخرى عن أحوالهم الصعبة. الأربطة الخيرية للمسنات أتاها السيل أيضاً ليكشف عما تعيشه من معاناة بسبب غياب الرعاية الصحية والمعيشية، وعدم توفر الصيانة بعد تضررها بمياه السيول التي داهمت كافة غرف النزيلات، ومن ضمن هذه الأربطة التي تضررت "رباط باديب" بحارة المظلوم الذي تسكنه مايقارب 30 سيدة لا يجدن مأوى لهن سوى هذه الأربطة المتهالكة التي تبرع بها بعض المحسنين، فأصبحت مصدرا لانبعاث الروائح الكريهة وتجمع الحشرات والبعوض الناقل للأمراض، في الوقت الذي وجهت المسنات أصابع الاتهام للإدارة العامة للأوقاف والمساجد بإهمال هذه المساكن وعدم وجود رقابة عليها. وأوضحت المسنة "أم منصور" أنها تقيم في الرباط مما يقارب 3 سنوات، وداهمتها مياه الأمطار الأخيرة وأغرقت حجرتها التي تضم أثاثا متهالكا، ولتقدمها في السن لم تستطع مقاومة مياه السيول وأخذت تطلب المساعدة من النزيلات الأخريات اللاتي أخرجنها من حجرتها إلى سطوح الرباط الذي احتمت به كافة المسنات، وبقين ما يقارب يوما كاملا ينتظرن أن يخف منسوب المياه من ساحة الرباط دون أن يأتي لهن معين من الخارج. وتضيف "أصبحت الروائح الكريهة تنبعث من داخل الغرف لدخول مياه الأمطار لها، ومما يزيد الأمر سوءا عدم وجود مساعدات من الخارج للمسنات داخل الأربطة، معتبرة نزيلات الأربطة الخيرية من المنسيات اللاتي يفتقدن الحياة الكريمة، وأن هناك عددا من السيدات داخل الأربطة يعانين من أمراض قد تنهي حياتهن دون وجود رعاية صحية لهن، مشيرة إلى أنهن لا يجدن اهتماما من قبل إدارة الأوقاف والمساجد التي لا تنظم زيارات للاطلاع على حال النزيلات وتلمس احتياجاتهن". وقالت المسنة "سميرة أمين" التي يتجاوز عمرها 60 عاما، إن الرباط تعرض لمياه السيول التي ضربت كافة أرجائه، وداهمت المياه غرف النزيلات، مما أصابها بجروح وخدوش عند محاولتها الفرار من السيول حتى أصبحت غير قادرة على الحراك، وبقيت تعاني من الألم ما يقارب يومين بعد الكارثة، ونتيجة صعوبة التنقل وعدم مقدرتها على دفع ثمن سيارة الأجرة فضلت البقاء وتحمل الألم.وأضافت أن السيول قضت على كافة أثاث وفرش حجرتها المتهالك الذي كانت تحتمي به من برودة الطقس وحرارة الصيف، فأصبحت تقضي وقتها على أرضية من غير فرش ولا غطاء إلى جانب تردي حالتها الصحية، وطالبت بأن تكون هناك زيارات للجهات المختصة لتقديم المساعدات الطبية للمسنات غير القادرات على دفع مصاريف الدواء والمعيشة. أما فوزية المصابة بسرطان الرئة والتي تقبع داخل الرباط مما يقارب 7 سنوات بعد أن تخلت عنها بناتها ال9، ولم تجد أمامها سوى رباط باديب كمأوى لها بعد أن قست عليها الظروف المعيشية، فقد تعرضت كغيرها من النزيلات لمياه السيول، لكنها فقدت أنبوبة الأكسجين التي لا تستطيع الاستغناء عنها في التنفس، كما أتلفت المياه علاجها مما جعلها بلا حول ولا قوة تنتظر من يقدم لها يد العون. وتشير فوزية إلى أنها منذ أن ضربت السيول أرجاء الرباط انتشر الذباب والحشرات والروائح التي تشعر النزيلات بالضيق، وأصبحت تعيش على أرضية من البلاط فوق سرير قديم مغطى بالأتربة، كما لا تجد قوت يومها سوى ما يأتي من مساعدات المحسنين، وهي تكتفي في بعض الأوقات بقطع من الخبز والمياه الصحية. أقدم ساكنة في الأربطة، هي المسنة زينب الحبشي البالغة من العمر 95 سنة قضت أكثر من ربعها في الأربطة، تقول إنها عانت كثيرا مع الألم بسبب عدم وجود أقارب لها أو أبناء بعد أن حكمت عليها الظروف بالبقاء داخل الأربطة وتجرع المعاناة التي لازمتها فترة طويلة، وقالت إنه بعد السيول التي ضربت أرجاء الرباط تعرضت حجرتها للتصدع وأحدثت السيول شقوقا في جدار الغرفة وتعرض أثاثها المتواضع للتلف، كما أصبحت حجرتها مصدراً لانبعاث روائح كريهة وتجمع الحشرات، مضيفة أن ما تتسلمه من الضمان لا يكفي لقضاء جميع احتياجاتها ومصاريفها وإصلاح ما أتلفته السيول، مشيرة إلى قلة زيارات الكوادر الطبية للرباط. إلى ذلك، أوضح مدير عام الأوقاف والمساجد بمحافظة جدة فهيد بن محمد البرقي ل "الوطن" أن الإدارة تقوم بإسكان المحتاجين في الأربطة التابعة لها كما توصي بإسكانهم في الأربطة الخيرية الأخرى، وتتكفل الإدارة بإخراج الساكنين في الأربطة وغير المستحقين للسكن بالتعاون مع الشؤون الاجتماعية والشرطة والأمانة، وفيما يتعلق بالرعاية الصحية والاجتماعية في الأربطة فقد أسندتها الإدارة إلى جمعية البر لوجود قسم نسائي متخصص في هذا المجال. وأضاف أن عدد الأربطة في مدينة جدة يبلغ 43 رباطاً أهلياً عدد سكانها 6 آلاف ساكن، وهي موزعة في الأحياء المختلفة بالمحافظة، بعضها يتبع بعض الجمعيات الخيرية، مشيرا إلى أن هناك جولات تفقدية تقوم بها الإدارة مع إدارات أخرى تعمل ضمن لجنة تفقد الأربطة الخيرية، وهي مكونة من مندوب الشؤون الاجتماعية ومندوب الشؤون الصحية، حيث يقوم كل مندوب بمهمته المكلف بها وترفع نتائج هذه اللجنة إلى محافظ جدة.