حظيت المساجد التاريخية في مكة باهتمام كبير من الملوك السعوديين على مر التاريخ، لما لها من مكانة دينية مقدسة لدى المسلمين، ومن أهم هذه المساجد وهو أحد المساجد الخمسة التي تقع في المشاعر المقدسة، وهو مسجد المشعر الحرام في مزدلفة الذي يقع في منتصف المسافة الواقعة بين مسجد نمرة في عرفات، ومسجد الخيف في منى، لكون مزدلفة واقعة بين عرفات في شرقها ومنى في غربها، وهو المسجد الذي نزل النبي عند قبلته في حجة الوداع. وكان المسجد في بداية القرن الثالث الهجري مربع الشكل صغير المساحة بسيط البناء، ولم يكن مسقوفا، وكانت مداخله ستة أبواب، وذكر المؤرخون: أن مسجد المشعر الحرام فضاء يحيط به سور مربع الشكل ولا يوجد بداخل المسجد مظلات، وفيه ستة أبواب، باب في القبلة، وبابان في الجدار الأيمن، وبابان في الجدار الأيسر، وباب في مؤخر المسجد، وعلى الجدران من الشرق سبع وخمسون شرفة، وما بين الجدار الجنوبي للمسجد وقزح أربع مئة وعشرة أذرع، وقزح عليه اسطوانة من حجارة مدورة تدويرا حولها أربعة وعشرون ذراعا، وطولها اثنا عشر ذراعا، فيها خمس وعشرون درجة وهي على أكمة مرتفعة كان يوقد عليها في خلافة هارون الرشيد بالشمع ليلة مزدلفة، وكانت قبل ذلك توقد عليها النار بالحطب، فلما مات هارون الرشيد كانوا يضعون عليها مصابيح كبارا. ومع مرور الزمن تهدم المسجد ولم يبق منه سوى جدار في غرب موضعه يشير إلى القبلة، وفي عام 760 ه جدد عمارته الأمير يلبغا الخاسكي، وفي عام 842 ه جدد عمارته السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين جقمق، وفي عام 874 ه جدده السلطان قايتباي، ثم جاء العثمانيون وأجروا له عمارة عام 1072 ه، وفي العهد السعودي تمت عمارته وتوسعته عام 1395 ه في آخر عهد الملك فيصل على الشكل المستطيل، بتكلفة خمسة ملايين ريال، وبلغت مساحته خمسة آلاف وأربعين مترا مربعا، بطاقة استيعابية تتسع لاثني عشر ألف مصل، ويبلغ طول المسجد تسعين مترا من الشرق إلى الغرب، وعرضه ستة وخمسين مترا من الشمال إلى الجنوب، وفي مؤخرته منارتان بارتفاع اثنين وثلاثين مترا، وله ثلاثة مداخل في كل من الجهة الشرقية والشمالية والجنوبية، كما زينت جدران المسجد من الأعلى بشرفات جصية في أشكال هندسية يبلغ عددها ستمائة وأربعين ويبلغ ارتفاع محراب المسجد أربعة امتار وهو مزين بزخارف جميلة. والمشعر الحرام «قزح» وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة، وقيل: المشعر الحرام ما بين جبلي المزدلفة إلى مازمي عرفة إلى وادي محسر، وليس المازمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام، والصحيح أنه الجبل لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر بالمزدلفة ثم ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام، فدعا وكبر وهلل، ولم يزل واقفا حتى أسفر. وقوله عند المشعر الحرام معناه: مما يلي المشعر الحرام قريبا به، وذلك للفضل، كالقرب من جبل الرحمة، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر، وجعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر، ومتصلة به عند المشعر. وعن علي رضي الله عن قال: لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قزح فقال: هذا قزح، وهذا الموقف، وجمع كلها موقف. وهو المكان الذي وقف عنده النبي في حجة الوداع، وهو الجبل المعروف في مزدلفة، وهو المكان المبني عليه المسجد الآن. وثبت عن بعض العلماء أن مزدلفة كلها تسمى المشعر الحرام. وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وعلى هذا يكون المشعر الحرام: تارة يراد به المكان المعيّن الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الجبل المعروف في المزدلفة وعليه بني المسجد؛ وأحيانًا يراد به جميع المزدلفة؛ لأنها مشعر حرام. وإنما قيدت بالمشعر الحرام؛ لأن هناك مشعرًا حلالاً، وهو عرفة، فإنه مشعر، بل هو أعظم المشاعر المكانية، فهو مشعر لكنه حلال؛ لأنه خارج أميال الحرم، بخلاف المشعر الحرام الذي بمزدلفة الذي يقف الناس فيه، فإنه حرام. ولم تسم منى مشعرا حراما؛ لأنه ليس فيها وقوف مستقل. تسمية مزدلفة قيل: سميت المزدلفة وجمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف منها، أي دنا منها. ويجاز فيها للحاج أن يجمع بين الصلاتين. ويجوز أن تكون وصفت بفعل أهلها لأنهم يزدلفون إلى الله تعالى، أي يتقربون بالوقوف فيها،