أصبحت الاستراحات الشبابية المنتشرة بين البساتين وفي الكثير من أحياء المدينةالمنورة، بمثابة واحات يلتقي فيها الشباب، وسحبت هذه الاستراحات البساط من تحت المقاهي بكافة مسمياتها، غير أن الشرخ الكبير الذي تفرزه هذه الاستراحات، رغم أنها تمتص فراغ الشباب إلا أنها تفصم عرى التواصل الاجتماعي بين الشباب ومحيطهم المجتمعي، خاصة إذا كانت «البشكة» الشبابية لها اهتمامات متجانسة وهوايات متماثلة، إذ أنهم يقضون في هذه الاستراحات أوقاتا أكثر من تلك التي يقضونها بين أفراد أسرههم، كما أن هذه الاستراحات تجعل الشباب يعزفون عن التواصل مع المناسبات الاجتماعية وتعزلهم في محيط ضيق. «عكاظ» تجولت في عدد من الاستراحات البعيدة عن العمران والتقت عددا من الشباب من محبي الجلوس في هذه المواقع فجاءت آراؤهم متباينة، غير أن إجماعهم تمثل في أن «الجلسات الليلية» في الاستراحات تعزلهم عن محيطهم المجتمعي. وإذا نظرنا إلى فئة الشباب في المدينةالمنورة نجد أن الكثيرين منهم يفضلون قضاء جزء كبير من أوقاتهم داخل الاستراحات، حيث يجتمعون بشكل يومي هناك بعيدا عن الأحياء السكنية والمجتمع الأسري، وبحثا عن الراحة والهدوء والترويح عن النفس، وأصبحت هذه الاستراحات جزءا من برنامجهم اليومي ولا يمكن أن يستغنوا عنه مهما كانت الظروف، كما أن الاستراحات الشبابية في المدينةالمنورة التي تنتشر في بعض المناطق جنوب وغرب المدينة باتت تنافس المقاهي الشبابية التي انتشرت بشكل كبير في مختلف مناطق المدينةالمنورة، حيث ساهم وجود بعض الاستراحات الشبابية داخل مزارع المدينة في جذب الشباب، وذلك نظرا للأجواء المناخية المناسبة التي تمتاز بها مزارع المدينة، كما أن الشباب في المدينةالمنورة اصبحوا يتنافسون في تصميم الاستراحات الشبابية من الداخل، بالإضافة الى اختيار أعضاء الاستراحة، فتجد كل استراحة تقتصر على مجموعة معينة فقط ومحددة. «عكاظ» تجولت في عدد من الاستراحات الشبابية في المدينةالمنورة، حيث تحدث في البداية الشاب عادل الأحمدي عن انتشار الاستراحات وقال: انتشرت في الفترة الأخيرة الكثير من الاستراحات التي تتواجد بعيدا عن المساكن والأحياء السكنية، التي يتم اختيارها في عدد من المواقع في المزارع أو في أماكن مختلفة بعيدا كل البعد عن الناس، الأمر الذي ساهم في انتعاش هذه الاستراحات بدرجة كبيرة، وجعل الكثير من أصحاب المزارع يفكرون جديا في تحويل مزارعهم إلى استراحات موزعة جنبا إلى جنب، وكل مجموعة في استراحة، وكل مجموعة مستقلة عن الأخرى ولا تربطها مع الآخرين أي صلة، وليست في كل الأحوال، في حين أنه أصبحت كل استراحة محصورة على مجموعة معينة ومحددة. في المقابل ذكر سامي ملا أن البداية تكون بتكوين مجموعة تختار المكان وتحدد الميزانية بالتساوي والاتفاق، وأضاف الملا: تجتمع هذه المجموعة في أي وقت ويقضون فيها أوقاتهم المسلية التي تبدأ من النهار وتمتد حتى ساعات الصباح من اليوم الثاني، سواء المتزوجين أو غير المتزوجين، وهو ما ترك أكثر من علامة استفهام والابتعاد عن التواصل الاجتماعي، وهو ما تسبب في إلحاق الضرر الكبير والإنذار الدائم الذي يهدد بعملية تفكيك الترابط والتواصل مع أفراد المجتمع، الذي يجب أن يتداركه الكثير ممن وجدوا هذه الأماكن مقر سكن هادئ، وحرموا أنفسهم وحرموا أفراد المجتمع من التواصل معهم حتى في المناسبات. من جهته أوضح مشاري المالكي أن الاستراحات الشبابية تهدد بقطع التواصل الاجتماعي، فمثل هذه الاستراحات كانت موجودة في السابق وحتى وقتنا الحاضر، إلا أنها كانت جيدة ومنظمة مثل المجالس والديوانيات وغيرها، أما الاستراحات التي تجمع الشباب بمسماها الحالي فهي ليست كما كانت في السابق، ففي السابق كان التجمع في أوقات بسيطة ومحددة ربما لا تتجاوز الساعة الواحدة إلا أن الاستفادة منها كبيرة جدا، فقد كانت مجالس واستراحات مفتوحة للجميع تؤدي الهدف منها في اللقاءات والتواصل ومعرفة أحوال البعض والسؤال عن بعضهم البعض، أما اليوم وما نراه في الاستراحات الحالية فهو عكس ذلك تماما، فمن يقصدها يقضي يومه بالكامل فيها، كما أن له زملاء بصفة محددة، ربما لا تراهم إلا نادرا وربما فقط في المناسبات وبشكل قليل جدا وربما لا تراهم نهائيا، وهو ما لعب دوره الأكبر في التأثير على الترابط الاجتماعي والتواصل، فأصبحت هذه الاستراحات تشغل وقته، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها، والملفت للنظر أنه تمر العديد من المناسبات الأسرية، ربما يفضل فيها أصحاب الاستراحات عدم التواصل والبقاء في استراحاتهم بعيدا عن أعين الناس ومجتمعهم، الأمر الذي ترك أثرا سلبيا على الصعيد الاجتماعي للفرد والمجتمع. وعن السبب الحقيقي لاختيار كثير من الشباب الاستراحات والابتعاد عن التواصل وأعين المجتمع، أكد الكثير من الشباب من أصحاب الاستراحات أن الهدوء والراحة والتواصل مع زملاء معينين هو كل همهم، مشيرين إلى أنهم وجدوا راحتهم الكبيرة في هذه الاستراحات التي لا يمكن أن يجدوها حتى في بيوتهم، ومن جانب آخر أشار بعض هؤلاء الشباب إلى أن هناك كثيرا من المسليات التي تلهيهم وتضيع أوقاتهم في هذا المكان، مثل لعب الورقة أو البلاي ستيشن، ومنهم من حول استراحته إلى مكان رياضي لمشاهدة المباريات في كرة القدم، وبعضهم من اعترف أن الاستراحات أفضل مكان للشيشة أو المعسل بعيدا عن أعين الناس، كما اعترف البعض الآخر بأن هذه الاستراحات أصبحت شغلهم الشاغل وهمهم حتى على حساب تواصلهم مع مجتمعهم وأسرهم، كما أبعدتهم عن صلة الأرحام. وقال زياد الفريدي: لعبت الاستراحات دورها في فصل كثير من الشباب عن مجتمعهم، فهناك صور حقيقية تبرهن عما هو أهم، وكيف ساهمت هذه الاستراحات في الابتعاد عن التواصل الاجتماعي.