رغم جهود الدولة التي أنفقت نحو ثلاثة مليارات ريال لإنشاء 190 سدا توفر نحو 800 مليون متر مكعب، إلا أن السيناريو يتكرر كل موسم وبنفس تفاصيله الكارثية ولاسيما في منطقة جازان التي ما زالت تبحث عن وضع حد لأخطارها أو تقليصها في أضيق الحدود، والسبب إما لطمع أشخاص أو تجاوز تعليمات وأنظمة أو تخاذل جهات بعينها.فإذا عدنا بالذاكرة قليلا نجد أن السيول التي داهمت مدينة بيش وبعض قراها قبل عشرين عاما وتحديدا في 8/6/1414ه تسببت في انهيار جسور ومصدات صناعية وترابية مما ضاعف معاناة الأهالي. لكن تقارير الدفاع المدني التي توضح أن سيول جازان تشكل 60% من سيول المملكة ويوجد بها عدد كبير من الأودية تدفع بكميات هائلة من السيول تزيد عن (1250 مليون م3) كل عام، تدفع إلى المزيد من القلق بشأن أكثر من 200 قرية على ضفاف الأودية بالمنطقة.وتشير تقارير هيئة المساحة الجيولوجية ومديرية الدفاع المدني بجازان إلى خمسة أسباب أساسية في انحراف السيول عن المجرى الطبيعي بالإضافة إلى ثلاثة عوامل أخرى ساعدت على مضاعفة حجم الأضرار، وعلى الرغم من تضمين التقارير لقصور بعض الجهات والإشارة إلى توصيات هامة وضرورية لما كتب بتنفيذها للحفاظ على سلامة أرواح الأبرياء وممتلكاتهم إلا أن هذه التوصيات لم تنفذ على ارض الواقع رغم مضي سنوات على بعضها. وقالت التقارير إن عدد الأودية بالمنطقة يبلغ «12» واديا رئيسيا و«37» واديا فرعيا، ويعتبر وادي بيش من أكبرها بمنطقة جازان ويرفده حوالي «99» رافدا، حيث تأتي هذه الأودية المتدفقة من المرتفعات الجبلية نتيجة هطول الأمطار الغزيرة عليها بناء على ما أكدته دراسة أعدها مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية التي أشارت إلى أن معدل هطول الأمطار في جازان يرتفع خلال أشهر أبريل ومايو وأغسطس، بينما تسقط الأمطار الشتوية بين شهري نوفمبر ويناير، وأن مرتفعات جازان من أكثر مناطق المملكة هطولا للأمطار، إذ تصل كميتها إلى 600 ملم/السنة وتقل كلما اتجهنا غربا نحو البحر الأحمر.وفيما أبدى جابر عكفي شيخ شمل قبائل محافظة بيش وأهالي المحافظة وقراها تخوفهم من سد وادي بيش، على سبيل المثال، حيث وصل ارتفاع منسوب المياه فيه إلى القمة، بين الأهالي أن قلقهم نبع من التجربة المريرة في انهيار سد وادي تبالة بمحافظة بيشة بمنطقة عسير. ويجزم عبدالرحمن شماخي أن من أسباب خروج مياه الأودية عن مسارها الطبيعي ومداهمتها للقرى هو تدخل الإنسان في تغيير معالم الطبيعة ومن ثم زيادة نسبة الأخطار كإنشاء العشرات من الحواجز الترابية (العقوم الترابية) من قبل المزارعين بشكل خاطئ، وقد ساهم هذا التدخل في تكبيد أبناء المنطقة خسائر كبيرة في الأرواح البشرية والمادية لأن بعض المزارعين بالمنطقة يحولون مياه السيول ببناء عقوم ترابية بغرض تحويل المياه إلى مزارعهم مما تسبب في إغراق الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم ومحاصرتهم، وقد شجع الكثير من هم على شاكلة هذه الفئة إلى التمادي في هذه الأعمال عدم وجود عقاب صارم رغم أن القرارات والأوامر السامية تنص على منع الاستحداث أو البناء أو السكن في مجاري الأودية والسيول أو على ضفافها، مشيرا إلى أن ما يحدث في منطقة جازان مغاير لما تنص عليه التعليمات والقرارات. وبين أن البلدية تتحمل المسؤولية في إصدار تصاريح البناء لكل المنازل العشوائية في القرى التي تقع على ضفاف الأودية، مضيفا: «في محافظة صبيا التي يمر بها وادي صبيا العملاق يستحدث بعض الأهالي ويبنون محلات تجارية ومؤسسات وورشا ومحطات وقود ومعارض للسيارات في مجرى السيول، وفي عمق وادي صبيا ومحاذية لجسر الوادي إضافة إلى قيام بلدية محافظة صبيا بنقل سوق الثلاثاء في موقع خطير جدا وهو مجرى الوادي وقد داهمت السيول مؤخرا هذا السوق»، مشيرا إلى أنه آن الأوان للإسراع في تنفيذ مشروع المراكز الحضرية التي تلقى دعما كبيرا من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر أمير المنطقة ونقل هذه القرى المهددة إلى هذه المراكز وهذا هو الحل الأمثل لإيقاف تهديد السيول لهؤلاء المواطنين، مع إزالة جميع العقوم الترابية من داخل الأودية. وروى عصام خواجي ومصعب شماخي ومحمد عواجي من أهالي صبيا أن محافظتهم شهدت على سبيل المثال سيولا جارفة لم تشهدها منذ أكثر من أربعين سنة، مشيرين إلى أن بلدية صبيا اتخذت خطوات خطيرة جدا بقيامها بنقل سوق الثلاثاء إلى مجرى الوادي وموافقتها على البناء بالقرب من المجرى، خاصة أن الأراضي الواقعة ما بين صبيا إلى العروج جنوبا تعتبر مجرى للسيول، كما أن المحلات التجارية والورش خاصة تلك المحاذية لجسر وادي صبيا تقع في المجرى مما أدى إلى إغلاق منافذ مياه السيول، وقد يترتب على ذلك ارتدادها إلى جهة المدينة من الناحية الشرقية الشمالية، وينذر بوقوع كارثة، لا سمح الله، مبينين أن بلدية بيش نفذت أيضا مشاريع في مجرى السيول. ويستغرب مهدي سبعي من مركز العالية بمحافظة صبيا أن تأتي سيول جازان بهذه الصورة المأساوية التي جعلتها مرعبة للصغير والكبير، وقال: «بالطبع ليس في كم المياه، ولكن في مجراها وانحرافها عن مجراها الطبيعي، لتتسبب في كل هذه الأضرار والخسائر». وقال عبدالرحيم جباري: «عوامل كثيرة تحول دون درء أخطار السيول عن منطقة جازان منها عدم تنفيذ بعض الجهات المختصة القرارات الوزارية وتوصيات الدراسات المتخصصة والتقارير الميدانية ومحاضر الاجتماعات التي تقر من قبل متخصصين». وأضاف: «مما لا شك فيه أن عدم تنفيذ هذه التوصيات ساعد في استمرار معاناة أهالي جازان مع السيول ولنأخذ على سبيل المثال القرار الوزاري الذي أقر نقل قريتي الجهو والحرجة منذ عام 1421ه نتيجة موقعهما الخطير الذي قد يتسبب في إغراق القريتين في حالة مداهمة السيول لهما وعلى الرغم من وضوح القرار الوزاري ووجود أراض بيضاء للحكومة لا تبعد إلا كيلومترات قليلة عن القرية إلا أننا حتى الآن لم نشهد تنفيذا للقرار على أرض الواقع مما يعكس تهاون وعدم اكتراث الجهات المختصة». واعتبر حسن جابر عكفي وعلي يحيى عطية ومحمد عقيبي وحسن سباعي انحراف السيول عن مجراها الطبيعي لعدم وجود صيانة دورية وإصلاح فني لعبارات الطرق من قبل الجهات المختصة وعمل المصدات اللازمة لحماية الطريق الرئيسي، وطالبوا الجهات المختصة بالتأكد من استيعاب تلك العبارات لكمية المياه المتدفقة عبر الأودية والعمل على تنظيفها بشكل دائم وإزالة التجمعات الرملية التي تجلبها مياه السيول وتتجمع في مدخل هذه العبارات مما يقلل كفاءتها الاستيعابية لكميات المياه المتدفقة.وقالوا: رغم العديد من التوصيات بهذا الخصوص إلا أن وضع العبارات لا يزال على ما هو عليه ولم تعرها الجهات المختصة أي اهتمام يذكر، الأمر الذي فاقم المشكلة وجعلها أحد أسباب انحراف مياه السيول وقد تتسبب مستقبلا في حدوث كوارث إن لم تقم المواصلات والجهات المسؤولة بتنظيف ودراسة وضع العبارات وإيجاد حلول عاجلة. أكبر مصدر للمياه بين محافظ بيش خالد بن عبدالعزيز القصيبي أن سد بيش يعد واحدا من أكبر السدود على مستوى المملكة بما يشتمل عليه من مشروع لإنشاء سد وادي بيش السطحي والجوفي ومحطة تنقية مجاورة للسد ليكون أكبر مصدر سطحي للمياه في المملكة بإنتاج 80 ألف متر مكعب يوميا من المياه المحلاة في مرحلته الأولى وبتكلفة لا تتجاوز الثمن للمتر المكعب مقارنة بمحطة التحلية لمياه البحر في الشقيق. ويشتمل المشروع على مبنى السد ومحطة التنقية وسد جوفي تم تنفيذها بقيمة إجمالية تقدر بأكثر من 203 ملايين ريال، وتم بناء سد وادي بيش من الخرسانة الثقيلة بارتفاع 106 أمتار وبطول يصل عند القمة إلى 340 مترا بسعة تخزينية لبحيرة السد تصل إلى 193.64 مليون متر مكعب من المياه.