تضم مكةالمكرمة الكثير من المعالم الروحانية التي تجذب الحجاج والمعتمرين الذين يتوافدون إليها وبشكل كبير وعلى مر العصور، وتعتبر نادرة وفريدة من نوعها، خصوصا أنها نشأت منذ ولادة مكة. ومن ضمن هذه المعالم التي حفظها الإسلام وقدسها، مقام سيدنا إبراهيم الذي وضعه له ابنه إسماعيل عليهما أفضل السلام، حين ارتفع بناء الكعبة عن قامته فقام إسماعيل ووضع الحجر تحت قدم أبيه لإكمال البناء، فطبعت قدم سيدنا إبراهيم وغاصت داخل الحجر حتى أصبحت آثار قدمه غائرة بشكل واضح. وكان الحجر أول أمره ملتصقا بجدار الكعبة بحكم قيام إبراهيم عليه لبنائها، وظل كذلك أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيام أبي بكر رضي الله عنه، وفترة من أيام عمر، فرأى عمر رضي الله عنه أن الحجر يعوق الطواف بعض الشيء، وأنه لا يمكن الناس من جدار البيت، وأن الطائفين مع ذلك يشوشون أثناء طوافهم على الذين يصلون عنده ركعتي الطواف، فأمر عمر رضي الله عنه، بنقله من مكانه إلى جهة الشرق عدة أمتار ولا تزال هذه الآثار باقية حتى الآن ومغطاة بغلاف زجاجي عليه غطاء مذهب لحمايته من التأثيرات المناخية. وحفظت هذه الآثار إلى عهد الجاهلية واضحة المعالم، حتى أدرك المسلمون في بداية ولادة الدين الإسلامي، إلا مسح الناس بأيديهم أذهبه، وقد ذكر في نصوص عدة. وقد خصه الله بحفظه له من تدنيس المشركين بالعبادة مع ما دأبوا عليه من تعظيم الأحجار، فلم يعبده أهل الجاهلية ولله في هذا الحكمة البالغة لئلا يقال إن الإسلام أقر تعظيم بعض ما كانت الجاهلية تعظمه من الأصنام. وقد حظي المقام باهتمام كبير من الخلفاء والملوك والحكام والأمراء، فكان أول من بدأ بزينته الخليفة المهدي سنة 160ه حيث بعث بألف دينار لتضبيب المقام بالذهب. وفي عهد أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله سنة 236ه، جعل ذهبا فوق الذهب بأحسن منه عملا، وكذلك في سنة 251ه في خلافة المتوكل وفي سنة 256ه من عامل مكة علي بن الحسن العباسي. وجددت قبة المقام عدة مرات وبقي المقام على هيئته الأخيرة إلى سنة 1387ه، حيث أزيلت في عهد الملك فيصل -رحمه الله- المقصورة التي عليه وجعله في غطاء بلوري تحقيقا للقرار الصادر عن رابطة العالم الإسلامي، تفاديا لخطر الزحام أيام موسم الحج، وحرصا على الأرواح البريئة التي تذهب في كل سنة تحت أقدام الطائفين، الأمر الذي ينافي سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها وعدم تكليفها النفس البشرية أكثر مما في وسعها، وقد أزاح الملك فيصل الستار عن المقام بغطائه البلوري في حفل بهيج عام 1387ه. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- رمم محل مقام إبراهيم عليه السلام، وفي هذا الترميم تم استبدال الهيكل المعدني الذي كان مركبا على مقام إبراهيم بهيكل آخر جديد مصنوع من نحاس ذي جودة عالية، كما تم تركيب شبك داخلي مطلي بالذهب، وتم استبدال كساء القاعدة الخرسانية للمقام التي كانت مصنعة من الجرانيت الأسود ورخام بقاعدة أخرى، مصنعة من رخام كرارة الأبيض الصافي، والمحلى بالجرانيت الأخضر؛ ليماثل في الشكل رخام الحِجِر، وشكل الغطاء البلوري مثل القبة نصف الكرة، ووزنه 1.750 كجم، وارتفاعه 1.30 متر، وقطره من الأسفل 40 سم، وسمكه 20 سم من كل الجهات، وقطره من الخارج من أسفله 80 سم، ومحيط دائرته من أسفله 2.51م. وأصبح محل المقام بعد هذه التحسينات انسيابيا وقبل ذلك كان مضلعا، وقد شملت التحسينات الهيكل والقبة والهلال إضافة إلى القاعدة الخرسانية، وقد تمت هذه الترميمات مع الحرص الشديد على عدم تحريك المقام من موقعه. فضائل للمقام عدد من الفضائل منها أن الله تعالى نوه بذكره من جملة آياته البينات في قوله عز وجل «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى»، وأنه ياقوتة من يواقيت الجنة، كما ورد في الحديث، وأيضا من فضائله أن إبراهيم عليه السلام وقف عليه كما أمره الله - عز وجل.