حملوا جراحهم وآلامهم وقدموا الى لبنان في رحلة قد لا ينجو منها المعافى فكيف بالمصاب برصاص أو شظايا صاروخ؟ انهم جرحى مدينة القصير وريفها الذين انتقلوا الى لبنان وتحديدا الى مدينة عرسال. «علي» روى ل«عكاظ» رحلة الهروب من جحيم القصير بعد اصابته فقال «تعرضت قريتنا لقصف عنيف بالصواريخ مصدر مرابض مدفعية حزب الله داخل الاراضي اللبنانية، لقد كانت ليلة صعبة حيث كنا نسمع كل ثلاثين ثانية صوت صاروخ يسقط على المنازل الآمنة والمدنيين». ويتابع علي «ثم اشتد القصف على الشارع الذي يقع فيه منزلنا فساعدت عائلتي بالهروب الى قبو منزل جيراننا لأنه اكثر امانا، وقمت في آخر مرحلة بنقل جدتي حيث حملتها وركضت بها لأنها عاجزة عن السير ثم عدت الى المنزل لأحضر بعض الاغراض الضرورية وخاصة اوراقنا الثبوتية لعلمنا اننا سنضطر للنزوح الى بيروت وعندما دخلت المنزل سقط صاروخ لا اذكر صوته ولكن ما اذكره هو ذاك الضوء القوي الذي رأيته قبل ان اسقط جريحا حيث اخترقت شظية قدمي، لدقائق لم ادرك ماذا حصل ثم شعرت بسخونة كبيرة في قدمي ما لبثت ان تحولت الى برودة قبل ان يتم نقلي الى القبو حيث سمعت صراخ النسوة وعائلتي». ويضيف علي راويا ل«عكاظ» «بعد سقوط الصاروخ حضر شباب الجيش الحر واعلمونا انهم سيساعدونا للانتقال الى لبنان لأن الوضع بات خطرا للغاية، في القرية لم احظ بأية عناية طبية سوى ربط قدمي لوقف النزيف، وضعت على ظهر حصان حيث تم ربطي خوفا من السقوط إن فقدت الوعي بسبب نزف الدماء لتستغرق رحلتي الى هنا في لبنان خمس ساعات كاملة حيث تم نقلي الى المستشفى واجريت لي عملية وتم تركيب قضبان في قدمي لترميم العظام». «قاسم» وهو شاب في العشرين من عمره اصيب برصاصة في فخذه، قصته قد تختلف وإن كانت النتيجة واحدة، فيروي ل«عكاظ» «قبل اسبوعين اعلمنا الثوار ان ميليشيا حزب الله تتحضر للدخول الى قريتنا ابو حوري وعلينا المغادرة لأن هذه الميليشيا ارتكبت المجازر في قرى اخرى والجيش الحر سيقاتل في مدينة القصير لأن القتال في القرى الصغيرة لا جدوى منه ويشكل استنزافا». وأضاف قاسم «قبل ليلة من مغادرتنا تعرضنا لقصف كبير فادركنا ان الهجوم على القرية وقع لا محالة، فحملنا الاغراض الضرورية وانطلقنا سيرا على الاقدام بحماية الثوار باتجاه لبنان، عند قرية الجوسيه تم رصدنا من قبل عناصر حزب الله وسمعت بأذني احدهم يصرخ انهم نازحون اقتلوهم، الثوار المرافقون لنا قاموا بتأمين الحماية لنا حتى عبرنا بسلام ولكنني تعرضت لاصابة حيث اخترقت قدمي رصاصة فقام احد الثوار بحملي والهرب بي حتى وصلت الى لبنان حيث استقبلنا اهل عرسال. رحلتي الى لبنان استغرقت تسع ساعات معظمها كان خلال الليل فيما وصولنا الى عرسال كان عند ساعات الفجر الاولى». وختم قاسم «الرصاصة التي اخترقت قدمي لم تؤلمني بقدر تلك الكلمات التي كنا نسمعها من مقاتلي حزب الله عندما تم رصدنا لقد سمعنا اهانات كبيرة بحق الانسانية وللاسف كل العالم صامت، لقد قالوا لنا اهربوا لكنكم لن تعودوا أبدا الى هنا هذه الارض من القصر الى القصير لنا». «مصطفى» وهو مصاب ايضا قبل ان نطلب منه الكلام يتحدث بنبرة غاضبة فيقول «من اطلق الرصاص علي جاري لماذا؟ لقد قضينا سويا اجمل الاوقات ووقعنا الى جانبهم باحلك الظروف حتى عندما انسحب الجيش النظامي من قريتنا قمنا بحمايتهم ولم يتعرضوا لأية مضايقات فجأة حملوا السلاح وبدأوا بقتلنا، الغدر من طينتهم ولكن الشعب السوري المظلوم لن ينسى هذا الغدر والايام المقبلة ستكون حاسمة باذن الله، القصير صمدت وان سقطت فان الثورة لن تسقط وسنعود الى ارضنا وقرانا منتصرين باذن الله». ويتابع ل«عكاظ» قائلا «عندما اصبت ظنوا اني مت وسمعتهم يتحدثون عن وجوب قتل كل من يرونه بطريقهم صغيرا كان ام كبيرا، امرأة او رجلا، ثم ولله الحمد تم اسعافي من قبل لثوار ونقلت الى هنا في عرسال، لقد بقيت بين القصير وعرسال خمس عشرة ساعة حتى وصلت، ما ظننت في الطريق انني سأصل حيا لقد نزفت الكثير من الدماء على الطريق وانا اليوم انتظر شفائي لأني اريد العودة الى قريتي للدفاع عنها، فما نفع العيش دون كرامة، لقد خانوا العشرة والجيرة واهانوا كرامتنا بشكل كبير، لقد سمعنا الشتيمة للصحابة والاولياء، لقد اغتصبوا نساءنا فكيف نجلس ولا نقاتل». «حسن» الذي رفض الكشف عن كامل هويته التقينا به في عرسال وهو الذي اشرف على تهريب العائلات والجرحى من القصير وريفها الى عرسال روى لنا التفاصل فقال «اقتحم حزب الله قرية القصير عبر هجوم غير مسبوق حيث لم يفرقوا بين رجل وامرأة ومسن في ممارساتهم للقتل والتعذيب، فخطفوا شباب القرية باتجاه بلدة القصر اللبنانية حيث اعدموهم وقبل اعدامهم قاموا بتعذيبهم واقتلاع اظافرهم، واثناء التحقيق كان سؤال حزب الله موحدا: من اين تأتون بالسلاح ومن يمولكم؟». وأضاف «قرية القصير تحيط بها قرى متعددة وكلها متداخلة في ما بينها، وقبل فترة اقيمت المتاريس من قبل السكان الشيعة الذين بدأوا يدخلون الى القرى مجموعات غريبة عنا يرتدون الملابس السوداء ويعصبون رؤوسهم بعصابات كتب عليها يا حيدر ويا حسين. ادركنا ان حزب الله انتشر في القرى وبين ليلة وضحاها بدأ القصف والاعتداء على املاكنا واعراضنا، هم من بدأوا الاعتداء علينا على عكس ما يشيعون، وقالوا لنا انهم أتوا لتطهير القصير من وجودنا وقالوا بالحرف الواحد: نحن لا نريد الطائفة السنية بيننا، السنة حدودهم غرب العاصي فقط». وختم «لقد هدموا المنازل والمساجد حتى انهم احرقوا المصحف الشريف. حزب الله حشد كل قواه في القصير لتصفيتها، والعائلات القليلة التي ما زالت في القرى المجاورة مات اغلبها بسبب تسميم المياه التي تضخ باتجاه حماة وحمص». قصص القصير مع حزب الله تطرح ألف علامة استفهام حول الغد وما يمكن ان يعمله من فتنة قيل عنها «الفتنة ملعونة ملعون من أيقظها».