لم يعد العنف ضد الحكم المحلي ومشاهدة الدماء تسيل منه وتهديده بالقتل منظرا مثيرا للدهشة، بل أصبح هذا الموسم مشهدا مألوفا وطبيعيا في ظل كثرة حالات الاعتداء التي حدثت في مختلف المسابقات السعودية ونالت من هيبته كثيرا داخل المسطحات الخضراء، وبينما يراه كثيرون مؤشرا مقلقا لتدهور القيم الرياضية التي يفترض أن تتنامى وترتقي من المنطلق الذي قامت عليه، إلا أن آخرين يعتبرونه انعكاسا طبيعيا لحالة الاحتقان والفوضى التي عصفت بالرياضة السعودية في السنوات الأخيرة ولضعف الرادع والقفز فوق أسوار النظام. إذ شهدت الآونة الأخيرة ارتفاعا كبيرا في كم الاعتداءات ووصلت إلى ثماني حالات إضافة لحالة تهديد علنية بالقتل والانتقام، حتى أنه لم يستطع معها بعض الحكام إكمال المباريات فيما تم نقل بعضهم الآخر للمستشفيات، كما شهدت بعض المباريات تهجما جماعيا على طواقم التحكيم وملاحقتهم حتى الغرف الخاصة بهم، وهو ما فسره عدد من النقاد بأنه نتيجة ضعف الحماية والإهمال والاحتقان، فضلا عن نواح أخرى تطالعونها في محصلة الآراء التالية: يقول الحكم أحمد الحسين أحد ضحايا العنف على الحكام وتعرض لضرب مبرح من قبل لاعبي الوادي الأخضر في مباراة الترجي لم تكن العقوبات كافية برأيي، وكانت القرارات التي صدرت ضد المعتدين ضعيفة، حيث أوقف أخصائي العلاج الطبيعي وأحد اللاعبين لمدة 3 أعوام مع تغريمهما بمبلغ 10 آلاف ريال، فيما أوقف ستة آخرون لمدة عامين مع تغريم كل واحد منهم بمبلغ 10 آلاف ريال، وهي برأيي ليست رادعة لهؤلاء ولا توازي ما قاموا به، مبيناً أن الحكام يعانون الأمرين من التجاوزات ولايجدون من يقف معهم كما يجب، وذكر أنه مازال يراجع شرطة وادي الدواسر للمطالبة بحقه الخاص حيث يقطع ما يقارب 500 كم ذهاباً ومثلها في العودة من أجل ذلك، وأفاد أن بعض الحكام يضطرون للتنازل عن حقوقهم خصوصاً إذا كان موقع الاعتداء يقع في منطقة بعيدة عن مقر سكنه، مطالباً بأن يتم إيجاد محام للحكام يقوم بالمطالبة بحقوقهم عند التعرض لاعتداء. بدوره، أوضح الحكم حمود الحربي الذي تعرض هو الآخر لاعتداء من لاعبي الصحاري بعد انتهاء مباراتهم مع فريق عفيف أن الحكام أصبحوا يتعرضون للعنف بدون أي سبب وجيه، مبيناً أنه تعرض لذلك بالرغم من أنه قاد المباراة بشكل جيد ولم يكن هناك ما يمكن أن يستدعي الانفعال، مفيداً أن زملاء اللاعب الذي اعتدى عليه كانوا مندهشين لانفعاله وكانوا يحاولون تهدئته، مبينا أن الوضع لم يعد يشجع للاستمرار في مجال التحكيم، مفيداً أنه يعاني من كثرة المراجعات للمطالبة بحقه الخاص الذي لن يتنازل عنه، مؤكدا على أن التراخي في العقوبات أحد أسباب انتشار هذه الظاهرة. عقوبات صارمة من جانبه، طالب نائب رئيس لجنة الحكام السابق والمقيم الحالي الدولي عبدالرحمن الزيد بمقاضاة اللاعبين الذين يعتدون على الحكام لردع مثل هذه الظاهرة التي تفشت في الملاعب السعودية الموسم الحالي بشكل مستغرب، مؤكداً على أهمية أن يكون هناك تعويضات مالية للحكم المتضرر وليس لاتحاد القدم أو الصندوق الرياضي، مبيناً أن الذي يهان هو الحكم لذا يجب أن يعوض بما يحفظ كرامته وآدميته وذلك على حساب المعتدي الذي يجب أن ينال الجزاء الرادع، وشدد أيضا على أن تكون العقوبات الإدارية والقضائية صارمة تصل إلى شطب اللاعب ولا يشمله العفو بحيث لا يستثنى من قرارات العفو التي تصدر أحيانا لأي مناسبة وطالب بسن أنظمة تطبق بحزم وأن يكون للحكام محام خاص يترافع عن قضاياهم، مفيداً أنهم يضطرون للتنازل عن حقوقهم خصوصاً إذا كانت القضية في مكان بعيد عن مقر سكن الحكم. أما الإعلامي أحمد المصيبيح فقال إن ما تقدمه بعض البرامج والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي يتسبب في زيادة الاحتقان إضافة إلى عدم وجود الوعي الكافي لدى اللاعبين وغياب القرارات الصارمة التي تقضي على الظاهرة، مؤكداً على أن ما يحدث تجاوز لا يجب السكوت عنه ومؤشر يدعو للقلق، فإن تصل المسألة إلى الاعتداء فذلك يعني مزيدا من الانفلات والفوضى؛ لذا أصبح من الضروري وجود محكمة رياضية للبت في مثل هذه القضايا لردع كل من تسول له نفسه الإساءة للرياضة السعودية، مفيداً بأننا أصبحنا نحتاج لقوة القرار التي تحمي الرياضة السعودية وتمنى إيجاد تشريع محلي ومحكمة تنصف الحكام وكل المسؤولين واللاعبين الذين يتعرضون للاعتداء، مفيداً أن ثقافة الفوز والخسارة غائبة ومن يدير الأمور ومن ينظم هم هواة رغم دخولنا الاحتراف من سنوات، مؤكداً أنه يدرك العمل الذي يقوم به رئيس لجنة الحكام عمر المهنا وما قدمه من جهد وانفتاحه على الإعلام ولكن تقويم الحكام مازال ضعيفا وتقارير الحكام ليست واضحة تماماً، مطالباً بالتوعية والقرار الحازم؛ لأنهما كفيلان بالقضاء على الظاهرة. تخبط اللجان أما الإعلامي فهد الدريهم حكم سابق فقال إن الاعتداء على الحكام أصبح هذا الموسم ظاهرة، مبيناً أن هناك عدة عوامل ساهمت في انتشارها وهي عدم اختيار الحكم المناسب في المكان المناسب، فقد أصبحنا نشاهد تكليف حكام جدد لمباريات تحتاج للخبرة من حيث الاحتكاك والتمرس، مفيداً أن اللجنة أصبحت تكلف بعض الحكام من الدرجة الثالثة ممن مازالوا في بداية مشوارهم التحكيمي بإدارة مباريات تحتاج خبرة كما حدث في مباراة التعاون والاتحاد للناشئين والتي تعرض حكمها للاعتداء، مبيناً أن اللجنة غير قادرة على متابعة حكامها فهي أصلا غير قادرة على متابعة نفسها والحكام يحتاجون لمن يتابعهم ويشاهد تقاريرهم واصفاً الموضوع بأنه فوضوي فالمباراة تبدأ وتنتهي والتقرير لا ينظر له من قبل اللجنة. وذكر أنه للحد من الظاهر يجب الفصل بين حكام الدرجات وعلى اللجنة الرئيسية إعداد أكثر من لجنة وأسماء من الحكام لكل دوري من أجل التقييم بشكل علمي ودقيق وجيد وأن يكون للتقييم بشكل علمي وليس بالعاطفة والميول للشخص، وقال الدريهم: التحكيم لدينا لا يتطور فالتطور ليس أن يكون هناك حكم بارز من أصل 80 حكما وهو في الأصل من طور نفسه، مبيناً أن التحكيم السعودي مازال يعاني في أمور كثيرة منها تصفية الحسابات بين البعض وكل رئيس لجنة ينتقم من سلفه ويبعد من كان يعمل معه وهي سياسة اللجان جميعا مع الأسف، وطالب بوضع مراقب ومقيم فني للحكام بكل لجنة ومهمته متابعة واكتشاف الحكام وأن لا تترك لرئيس اللجنة الحرية بعمل التكاليف على مزاجه، مقترحاً أن تكون هناك عملية نقاط يتم على ضوئها التكليف، وطالب اللجنة بتوكيل محام يطالب بحقوق الحكام، مفيداً أن الحكم السعودي فقد هيبته ولن تعود حتى تعود النية السليمة نحو العمل والابتعاد عن التميز والمحاباة الظاهرة. ضعف العقوبات من جهته، يرى نائب رئيس لجنة الحكام الفرعية بالأحساء عبدالعزيز الملحم أن أسباب انتشار هذه الظاهرة هي ضعف القرارات الصادرة من لجنة الانضباط وعدم اختيار الحكم المناسب في بعض المباريات فدائماً حالات الاعتداء تقع في مباريات الدرجة الثالثة ودوري الفئات السنية ولهذا ينبغي اختيار حكام مميزين ولاسيما أن هذه المباريات تكون في أغلب الأحيان مباريات حاسمة، مفيداً أنه يجب على الحكم عندما يشعر بانفلات اللاعبين أثناء المباراة إنهاءها وهو قريب من خط التماس حتى يتسنى لهم الاحتماء برجال الأمن، وذكر أن من الأسباب أيضا ضعف الحماية للحكام من خلال قلة التواجد الأمني وأيضاً قلة الوعي بين اللاعبين والإداريين، مطالباً إدارات الأندية والمدربين قبل تجهيز اللاعبين فنيا تحضيرهم سلوكيا خاصة اللاعبين الصغار، وطالب الاتحاد السعودي وعبر لجنة الانضباط الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه ضرب الحكام وإنزال أشد العقوبات وفرض غرامات مالية كبيرة تذهب للحكم المعتدى عليه. من ناحيته، بين الحكم محمد الدحيلان أن السبب في زيادة الاعتداءات عدم وجود العقوبات التي تردع اللاعبين من تكرارها وعدم وجود الإداري المؤهل في كثير الأندية حيث تبحث الأندية عن الشخص الذي يعمل دون مقابل، وكذلك قلة خبرة الكثير من الحكام في التعامل مع المواقف في الكثير من المباريات، مفيداً أنه في الكثير من حالات الاعتداء عند سؤال اللاعبين عن الاعتداءات يرى أن السبب هو أخطاء الحكام وهذا غير مبرر للاعتداء، مشيراً إلى أنه في بعض المباريات يكون هناك سوء اختيار للحكم المناسب من لجنة الحكام وهذا يعني ضعف الخبرة في الميدان وهو أمر قد يقلب المواجهة رأسا على عقب. بدوره، يرى الحكم عدنان البطيح أن السبب الأول إداري وهو شحن اللاعبين قبل أي مباراة ضد الحكم حيث يشعر اللاعبون بأن الحكم ضد النادي وله مواقف سلبية سابقة، مما يسبب الضغط على اللاعب قبل وأثناء وبعد المباراة وكذلك تصاريح رؤساء تساهم في الشحن، مطالباً بعمل حملة توعوية للاعبين هدفها التحلي بالأخلاق الحميدة التي أمرنا بها الدين الإسلامي عن طريق المنشورات في الصحف والملاعب وأيضا عمل دورات تثقيفية للإداريين واللاعبين في التحكيم ومعرفة اللوائح التي أقرها الاتحاد السعودي مؤخرا وأيضا وضع أقصى العقوبات على المتسبب. من جهته، قال الحكم السابق والمقيم الحالي عبدالرزاق المقهوي إن أهم الأسباب هو الاحتقان الذي يؤججه البعض ضد التحكيم والحكام، فضلا عن قصور الثقافة الرياضية البعيدة عن منطق الروح الرياضية في الفوز والخسارة، كما أن عدم وجود الحماية الكافية للحكام جعل البعض يتجرأ على الحكام، مفيداً أنه للحد من الظاهرة لابد من إعلان العقوبات ومحاسبة اللاعب والنادي في آن واحد وقبل ذلك اختيار نوعية إدارية تملك حس القيادة ومغلفة بالوعي الرياضي الكامل أيضا الحماية الكافية من الاتحاد السعودي للحكام؛ لأن العقوبات الموجودة لا تكفي أبدا، وبين أن الأندية شريك في كل شيء في النجاح والفشل وفي الإيجابية والسلبية وتتحمل جزئية اختيار الإداري المؤهل صاحب الشخصية القيادية، وأيضا يجب أن نعترف بأن مستوى الحكم لدينا لا يتوافق مع ما يقدم له من إمكانات فنية من قبل لجان التحكيم وعلى الحكم دائما أن يسعى للأفضل ويتقدم باتجاه النجاح ولا غير، وطالب لجنة التحكيم بتكليف محام لأخذ حقوق الحكام، مؤكدا أن هذا يشكل عاملا نفسيا مهما للحكام وعلى اللجنة أن لا تغفل ذلك.