افتقد مهرجان الجنادرية للعام الحالي السقا الشهير العم مالك جبلاوي الذي غيبه الموت منذ أشهر، بعد أن كان أحد الشخصيات المهمة في المدينةالمنورة في المهرجان، منذ انطلاقته، ما جعل زوار ركن طيبة من بوابتيه القديمتين المعروفتين باسم باب المصري وباب العنبرية دائمي السؤال عن السقا الشهير، الذى كان يجول في أرجاء سوق المدينةالمنورة ويسقيهم ماء زمزم في أوان نحاسية من (جحلته) المصنوعة من الفخار وسط رائحة النعناع المديني النفاذة والمميزة. وكان جبلاوي -رحمه الله- لا يتوقف عن ترديد الأهازيج الشعبية لجذب المارة والزوار باتجاه بيت المدينة ويستقبلهم بعبارات مختلفة و إمتاعهم بها من قبيل (سبيلنا سبيلكم سبيل الله ياعطشان.. و اسقوني من سبيلكم سبيل الله ياعطشان) فغاب إنشاده الشجي الذي كان يترنم به بصوته العذب، وهذه الصورة الجميلة نالت استحسان الزوار وهي تجسيد لعادة تعارف عليها أهالي المدينةالمنورة في الأزمنة الماضية وتعرف ب (السبيل) وهو مصطلح يدل على منهل الماء الذي يقام في الأماكن العامة ليستقي الناس منها وعلى مدى التاريخ حرص الكثير من الولاة والأثرياء في المدينةالمنورة على إقامة (سبيل الماء) لوجه الله تعالى لما فيها من الثواب وفعل الخير. وتعد هذه الحرفة التي أشتهر بها العم مالك جبلاوي في الجنادرية من أقدم الحرف بالمدينةالمنورة، حيث إن الزائر يجد نفسه في أجواء مدنية تراثية ويشاهد البيت المديني بكل تفاصيله، إضافة للسوق الشعبي القديم وسط أجواء تبين تجسيدا دقيقا لحياة المجتمع في المدينةالمنورة. وحمل السقا الراحل العم مالك الجبلاوي صاحب الابتسامة الصادقة والبشاشة الدائمة، بين حناياه، موروثها الشعبي، فمنذ أن كان طالبا وعمره 15 عاما يزاول حرفة السقا داخل جنبات المسجد النبوي الشريف خاصة في موسم الحج فكان عندما ينهي يومه الدراسي يحمل جحلته الفخارية (شربة) ويحملها على كتفه ويتجه بها إلى حارة الأغوات ويملأها بالماء المعطر برائحة الورد المديني الذي يصبه للحجاج وزوار المسجد النبوي في أوان نحاسية مزخرفة بنقش إسلامي، وكلما فرغ الماء يملأه مرة أخرى ويستمر في السقيا حتى فراغ المصلين من صلاة العشاء، رحم الله العم مالك جبلاوي رحمة واسعة و أسكنه فسيح جناته.