تطرب الأذن لحلاوة الكلام، ويطربها الصوت أكثر وأكثر، فإذا اجتمعت الكلمة مع الصوت الجميل في قالب واحد، سمي ذلك القالب أغنية، وكل أغنية صنعها بشر في أي مكان في هذا العالم، فإنما الهدف من خلالها تحقيق خفة وهزة تثير النفس ثم تغمرها ارتياحا، وهذه الخفة والهزة التي تثير النفس بالمعنى ثم تغمرها به ارتياحا واقتناعا وانسجاما تسمى (طربا). حلاوة الكلام تكمن في ملامسته لشعور المستمع وحاله، وحلاوة اللحن في حسن حمله لمعاني الكلام. تطورت الأغنية عبر العصور، وأصبحت علما له مصطلحاته وكلماته التي تختلف عن معناها الظاهر أو السائد، أو نقول بلا معنى في حياتنا لولا اصطلاح أهل الغناء عليها. وفي هذه المادة سنحاول أن نستعرض بعض هذه المصطلحات مع التعريف بها وأصح استخداماتها في أوساطنا الغنائية العربية السعودية بطريقة رشيقة متسلسلة، بحيث لا تختلط الأمور على القارئ بعده بلا إطالة، فإذا تخيلنا أننا أمام نموذج افتراضي مثالي لأغنية جامعة لكل المصطلحات الأساسية، سنسمع أول هذه الأغنية الافتراضية (أدليب) وهو الموسيقى التمهيدية التي تأخذك من حيث أنت إلى أول حرف ينطقه صوت المغني، وأول صوت يخرجه المغني قد يكون (موالا) إذا كان منفصلا بأبيات شعره عن بقية كلمات الأغنية، أو يسمى (استهلالا) إذا كان من جنس بقية كلمات الأغنية، وينتهي الاستهلال عند نغمة منتقاة تتناسب مع أول نغمة يبدأ بها (مذهب) الأغنية، ومذهب الأغنية لا يحد بعدد معين من الكلمات، بل هو أول أجزائها الذي يمكنك فصله وغناؤه وحده، قد يكون بيتا شعريا واحدا أو أكثر، ولا بد أن ينتهي المذهب عند نغمة، تتناسب مع أول نغمات الفاصل الموسيقي المطول الذي يوضع بغرض احتواء الانفعالات والاهتزازات المعنوية، التي حدثت في النفس طربا من المذهب، ثم تجهيزها بتسليمها سماعيا، إلى المقطع التالي من كلمات الأغنية، ويسمى (الكوبليه)، وأيضا لا يمكن تحديد الكوبليه بعدد من الكلمات، بل هو جزء مكتمل النغم والمعنى، ويمكنك فصله وغناؤه وحده، وينتهي الكوبليه بنغمة، تتناسب مع أول نغمات الفاصل الموسيقي المطول الذي يليه، وتوضع الفواصل الموسيقية دائما بغرض احتواء انفعالات النفس، وتجهيزها لسماع التالي، فإن انتهت كوبليهات الأغنية يصنع الملحن بالنغمات (قفلة موسيقية)، تنهي الأغنية عند نفس النغمة التي بدأت منها. وهذه هي المصطلحات الأساسية التي تجدها بأي أغنية ونركز عليها في هذه اللمحة البسيطة، وبقي أن نقول: إن من يختار نغمات الأغنية ومقامها المناسب لمعاني كلماتها هو ملحنها، ومن يختار الآلات التي تنفذ اللحن هو الموزع الموسيقي، ويسمى موزعا لأنه يوزع تنفيذ النغمات على الآلات ويصنع انسجامها، فيقرر الموزع شكل الإيقاع المبني على إيقاع الكلمات أساسا، ويقرر الموزع أيضا أن هذه النغمات يؤديها الناي، وهذه النغمات يؤديها الكمان، وهنا نأخذ نغمتي عود... وهكذا، أما مهندس الصوت فهو من يقوم بعملية الموازنة النهائية للأصوات المركبة، من حيث العلو والانخفاض ويجعلها متآلفة بإخراج متكامل، وهو آخر من يضع لمساته على الأغنية في عصرنا هذا قبل أن تنطلق من السماعات إلى آذاننا، أغنية كاملة تحرك مشاعرنا طربا، وتصنع بهجتنا.