لم تعد البنوك هي الجهة الوحيدة التي تغرق الشباب وتغريهم بالديون، من خلال القروض المقدمة لهم سواء القروض الميسرة للزواج، أو بناء بيت، أو شراء سيارة، أو بطاقات الائتمان، بل أصبح يوجد ما يسمى ب«الصابون»، وهو عملية إقراض يأتي طالب القرض بموجبها إلى المقرض أو التاجر فيطلب منه إقراضه مبلغا من المال كسلفة حتى نهاية الشهر أو لشهرين أو ثلاثة، فيوهم التاجر المقترض بشراء صابون باسمه ليبيعه بسعر أقل حتى تكون العملية بعيدة عن الربا. وما يسهل التعامل مع تجار الصابون في نجران سهولة طلباتهم من أوراق ثبوتية أو مستندات تضمن حقوقهم، خصوصا أن الأمر قائم بثقافة «الفزعة» والصداقة ولكنها في الأخير تتحول إلى مشكلة لا فكاك منها بسهولة وتقع وقتها «الفأس في الرأس». ورغم سهولة استخراج قروض الصابون إلا أنها الأعلى نسبة في الأرباح بين كل عمليات الاقراض المنتشرة سواء من بنوك أو شركات خاصة، والمفارقة المضحكة أن هناك بعض مكاتب التقسيط تستثني نفسها من تهمة الربا لمجرد اختلاف السلع، فتجد أحد التجار يقول «ليس لي علاقة بالصابون، فأنا أبيع مكيفات»، وآخر يتذرع ببيع السيارات أو بطاقات الهاتف مسبقة الشحن حتى يوهم فريسته ببراءته من الربا. «عكاظ» فتحت ملف «الصابون» في نجران وخصوصا بين الشباب والذين يعيش الكثير منهم وضعا نفسيا صعبا نتيجة تراكم ديون الصابون عليهم. بداية قال عبدالرحمن بن فردوس، إن عملية بيع الصابون تذكرنا بعمليات البيع الوهمية، ليس في الشكل بل المضمون، حيث إن البعض يبيع بواسطة الكفيل وكذلك كتابة شيك على المستفيد، والبعض الآخر يبيع لبعض الأصدقاء والمقربين ب«الوجيه»، وهذا ما يسهل عملية البيع السريع حيث إن الاجراءات غير معقدة لذلك تجد الشباب في مقتبل العمر يتجهون إلى هذه الطريقة بعيدا عن البنوك وبيروقراطية استخراج القروض منها، كما أن تجار الصابون ليس لديهم قائمة سوداء أو ما يسمى «بالبلاك لست». أما خالد اليامي فقال «إن أسباب اندفاعنا إلى شراء الصابون أو الاقتراض من خلال هذه العملية، فهي سهولة استخراج القروض بسرعة وفي وقت قياسي حتى أن بعض تجار الصابون يحولون المبلغ إلى حساب المستفيد دون حضوره حتى ولو كان خارج المنطقة، بمعنى أن الفزعة والوجيه لها دور كبير في عملية الاقتراض»، مشيرا إلى أن هذه العملية كانت في البداية على نطاق ضيق وبمبالغ بسيطة من 5000 إلى 10.000ريال فقط، أما الآن فوصلت إلى 100 الف ريال، وهذا مبلغ كبير بالنسبة للمقترض، لأن أرباحها ستكون كبيرة ومدتها أيضا قصيرة، الأمر الذي يجعل المقترض مسرورا في البداية وحزينا عندما يفكر في كيفية السداد والأرباح التي يتقاضاها المقرض أو التاجر. من جانبه أكد علي اليامي أن عملية الإقراض أو السلفة بما يسمى الصابون هي سلاح ذو حدين، فالحاجة تجعل الرجل منا لا يفكر في عواقب الأمور وخصوصا الأرباح الكبيرة وقصر المدة الزمنية للسداد والتي تصل إلى شهر وشهرين أو أكثر قليلا، كما أن سهولة استخراج قروض أو سلف الصابون هو ما يشجع الكثير منا على الاقتراض، لذلك انتشرت دكاكين الصابون على قارعة الطريق وهناك تجار أصبحوا ينوعون في البيع كالمكيفات والسيارات، ولكنها تكون بنفس طريقة الصابون ونفس الأرباح والمدة الزمنية للسداد. من جانبه قال الكاتب والاعلامي إبراهيم سنان تعليقا على هذا الموضوع إنه من الطبيعي أن يبحث المواطن عن كل الوسائل الممكنة لتوفير سبل العيش الكريم ومبدأ الربا وإن كان متخفيا في كثير من التعاملات المالية برداء الشرعية بدءا من البنوك حتى مكاتب التقسيط، فليس من وسيلة أخرى للمواطن إلا أن يرضخ للواقع. وأضاف للأسف فإن مكاتب التقسيط تبرر لنفسها بما يحدث في البنوك وتقنع زبائنها بأن قروضها لا تختلف عن قروض البنوك، واتمنى ان تكون هناك رقابة صارمة لمثل هذا البيع أو آلية تضمن عدم انزلاق الشباب في الديون، كما آمل من البنوك أن تدرس عملية قروض الصابون وتستفيد من حسناتها وتطور منها حتى تضمن شريحة كبيرة من المستفيدين. امتناع عن التصريح «عكاظ» اتصلت بفرع وزارة التجارة في نجران وعرضت القضية بتفاصيلها على أحد المسؤولين فيه، فامتنع عن التصريح بحجة أنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام.