مثل أي عمل ناجح، قائم على هدف واضح وخطة مرسومة، حدد وزير العدل منذ تسلمه قيادة الوزارة الأهداف التي ينوي تحقيقها والقيم التي تسير عليها الوزارة في منهجها إذ لم يكن تحقيق هذه الأهداف في وقت وجيز أمرا سهلا في ظل التركة الثقيلة الأمر الذي تطلب بذل مجهود كبير حتى يتحول إلى مشروع على السطح وواقع يعيشه الكل. الوزير حدد القيم الجوهرية في العمل وهي: التميز، المصداقية، مواصلة برامج التحديث والتطوير، بناء الشراكات، والثقة دون إخلال بالوظيفة الرقابية، الاهتمام بالموارد البشرية وتأهيلها وتدريبها، تطوير أدائها، وأخيرا الأخذ بالتراتيب الوقائية. خارطة الطريق التي رسمها الوزير وصولا لتحقيق التميز المؤسسي للأجهزة العدلية؛ تمكينا لها من القيام بدورها الأمثل وحل المعضلات استندت إلى خطوات عدة وتمثل ذلك في عدد من النقاط منها تشييد المباني العدلية وتجهيزاتها وإيجاد حلول عاجلة عن طريق الاستئجار لبعض دور العدالة التي لا يقبل وضعها الحالي انتظار التخطيط والبناء. وفي هذا الشأن وأبرم وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى اتفاقية تصميم إنشاء 158 منشأة عدلية بعد قرار مجلس الوزراء بإجازة خطة مباني العدل في شهر رجب الماضي، وروعي في الاتفاقية أن تكون الدوائر الشرعية على أحدث طراز وفق متطلبات نظام القضاء مراعية في ذلك درجات التقاضي وتوسع التخصص النوعي في عمل المحاكم وتهيئة بيئة العمل المثالية في تلك الدوائر الشرعية، وجاء ذلك بعد أن استطلعت الوزارة في الفترة الماضية أحدث ما توصلت إليه دور العدالة من جهة المباني في دول العالم. القضاء على الأمية الإلكترونية أكدت الوزارة أن التركيز سيكون على قاعات المرافعة لتستوعب المزيد من الحضور تعزيزا لمبدأ علانية الجلسات، إضافة إلى الاستخدام الذكي للتقنيات الحديثة وتعزيز القناعة لدى منسوبي المرفق بأن التقنية هي محور الحراك العصري، وأنه لا بد من التعامل معها بمهنية عالية؛ للقضاء على ما تبقى من أميتها، وفي هذا الصدد عملت الوزارة على تنفيذ بنية تحتية متكاملة لتقنية المعلومات تتضمن إنشاء شبكات متكاملة للحاسب الآلي تستوعب كافة المحاكم وكتابات العدل، وفروع الوزارة، وربطها بالمركز. ثم البدء بمركزية الحاسب الآلي، لتشمل جميع خدمات الوزارة؛ تمكينا للمستفيد من إنجاز معاملته من أي مقر للخدمة في المملكة، ومثال ذلك: إمكان نقل ملكية العقار وما يطرأ عليه بغض النظر عن ولايته المكانية، مستثنى من ذلك ما لا يمكن تجاوزه من قواعد الولاية المكانية، ونشر التقارير الإحصائية على البوابة الإلكترونية. وكذلك إنشاء خدمة تدوين النماذج لطلبات المحاكم، وكتابات العدل، وغيرها، والتعريف بمتطلبات التقدم، واستقبال التظلمات إلكترونيا وفق إجراءات عمل تتيح التأكد من هوية المتظلم وجدية المظلمة وتنفيذ مشروع المحكمة الإلكترونية الذي يتيح للمترافعين تقديم دعاواهم وتبادل دفوعها عبر بوابة الوزارة، مراعى في ذلك قواعد المرافعة الشرعية والنظامية. تدوير المواقع والمناصب خطة الوزارة لم تغفل الجانب الأهم وهو تأهيل البشرية على مراحل متقاربة مع تعاهد تدريبها أولا بأول والعمل على تجديد الموارد والتخلي عن احتكار القيادات النمطية لمواقع اتخاذ القرار في مختلف المستويات التنظيمية؛ وعلى كل الدرجات، وتنظيم أساليب الحركة؛ وتدوير المناصب؛ وتداولها على أسس الجدارة، والكفاية، والقدرة على الإنجاز، والتركيز على مفهوم تمكين الموارد البشرية المؤهلة. ومع البدء في إجراءات شغل المئات من الوظائف ركزت الوزارة على معالجة النقص والقصور في الجهاز المساند للعمل العدلي وترسيخ مفاهيم الإنجاز وصولا إلى زيادة الإنتاج وتخفيض تكلفة الخدمات العدلية وتحقيق فرص متزايدة للفصل في النزاعات للفصل في موضوع تأخر البت في القضايا. النسبة والتناسب في الوزارة من هذا الباب يتم فتح الملف الأكبر وهو مشاكل تأخر البت في القضايا وطول إجراءات التقاضي وتكدس المحاكم بعدد كبير من الدعاوى المرفوعة دون أن نغفل أن تأخر البت معضلة عالمية لا تقتصر على المملكة فحسب طبقا لتصريحات وزير العدل، ومع ذلك فإن الوزير أكد أنه تمت دراسة الموضوع بشكل موسع وخرجت الوزارة بنقاط واضحة لحل هذه المعضلة. وفي أولى الخطوات يأتي سعي الوزارة في إعادة تأهيل المكتب القضائي بتعيين المستشارين الشرعيين والنظاميين والباحثين والكتبة وفق أعلى المستويات التأهيلية، عبر وظائف تم الإعلان عنها بهدف شغلها في أكثر من مرحلة كان آخرها مطلع الأسبوع الحالي. وفي هذا الشأن يبرز تأكيد الوزارة على أن المسوحات الاستطلاعية أثبتت تحمل القاضي عبء القضية كاملا من لحظة ورودها إليه حتى صدورها، مشمولا بأعمال إدارية وتحضيرية هي من صميم عمل أعوانه، الأمر الذي استدعى تدخل الوزارة لتفريغ القاضي من أي عمل لا يمت لاختصاصه الولائي بصلة، ونقل النظر في الجوانب التوثيقية إلى كتابات العدل، إلا في حال انتهاء النظر التوثيقي إلى خصومة فتحال عندئذ للقضاء، وإلى جانب هذا الأمر فالوزارة تسعى أيضا إلى إيجاد القدر اللازم من النسبة والتناسب بين موظفي دور العدالة. المصالحة والتوفيق والمعونة حل آخر سعت إليه الوزارة بقوة لمواجهة مشكلة تأخر القضايا في المحاكم وهو الأخذ بفكرة المصالحة والتوفيق حيث وافق مجلس الوزراء مؤخرا على تنظيم مراكز المصالحة، وأجرت الوزارة دراسة أكدت أن قانون الوساطة حد من تدفق القضايا لدى بعض الدول إلى نسب عالية بلغت في بعض الدول الغربية 90 في المائة، وفي بعض الدول العربية 40 في المائة، وتفاوت الرقمين يرجع إلى أن قانونه في الأولى ملزم، وفي الثانية غير ملزم، وبعد تطبيق كل الخطوات الرامية إلى التخفيف على المحاكم يتم النظر في مدى الحاجة إلى مزيد من القضاة أو آليات أخرى مساندة. نقطة أخرى مهمة تسعى الوزارة إلى تطبيقها وصولا إلى قضاء ناجز تتمثل في قصر المرافعة على المحامي، والأخذ بفكرة: «المعونة القضائية» لذوي الدخل المحدود، على أن يراعى مرحليا شح المحامين في بعض الأماكن، وفق ترتيب نظامي يعالج الموضوع من كافة الأوجه، وكذلك الحكم على الخاسر بأتعاب المحاماة، ومصروفات الدعوى، بعد سن تنظيمها الذي تسعى الوزارة لإعداد مشروعه بكافة ضماناته وفق أحكام المادة (71/2) من نظام القضاء. تطويق القضايا الكيدية الوزارة عملت على نشر ثقافة التحكيم، والحث على تضمينه في كافة العقود التي يجري فيها، والإسهام شراكة في بناء قاعدة مؤسسية للتحكيم في ظل مشروعاته التنظيمية الواعدة، والثمار الملموسة لأدواته النظامية القائمة، خصوصا في ظل صدور نظام التحكيم. ويأتي ضمن الحلول المطروحة للتخفيف على المحاكم تفعيل الجانب التوعوي والإرشادي والتثقيفي المتمثل في عدد من الخطوات منها نشر الأحكام، واستخلاص مبادئها القضائية، مع المسارعة إلى إيجاد مدونة أحكام ملزمة لكل اختصاص نوعي مشمول بالنظام الجديد وفق آلية محكمة، خصوصا بعد إجازته من هيئة كبار العلماء في وقت سابق. وركزت الوزارة في خطتها على ضرورة ضبط الوقت والإدارة المثلى له خصوصا إدارة المرافعة القضائية، وكذلك التفعيل الفوري للأحكام الغيابية، والحزم في تطبيق أنظمة وتعليمات الحد من الدعاوى الكيدية، وغير الجدية التي وظفت مجانية التقاضي توظيفا سلبيا، نتج عنه إرهاق كاهل المحاكم بآلاف القضايا وحصول المقصود في التنكيل بخصومهم والتقليل من هيبة الترافع أمام القضاء. دعم مهنة المحاماة وزارة العدل تعمل على إعادة النظر في ترتيب ساعات عمل القاضي؛ بحيث تقصر علاقة القاضي حال جلسات المرافعة ومداولاتها فقط وفق خطتها في الرفع عن كل ما من شأنه الرقي بالمستوى اللائق بمرفق العدالة ولن يكون القاضي مختلفا عن عضو هيئة التدريس بالجامعة المسؤول عن محاضراته وساعاته المكتبية فقط، ليتفرغ بعد ذلك لخلوته العلمية التي يعد فيها بحوثه ودراساته، وتفعيل دور التفتيش القضائي الكفيل برصد حصيلة الأداء المهني للقاضي، وتفريغه من الأعباء التي لا صلة لها باختصاصه. كما تسعى الوزارة إلى تخصيص بعض الأعمال التوثيقية لكتاب العدل ونشر الثقافة العدلية عبر مؤتمرات وندوات وملتقيات وورش عمل وكتب ومن خلال الإنترنت، وبناء شراكات محلية والتفعيل الأمثل لاتفاقيات التعاون القضائي وتعزيز مفاهيم الرقابة الذاتية بالإضافة إلى تجديد الهياكل التنظيمية والوسائل والآليات وقواعد اتخاذ القرار بما يحقق المرونة والفاعلية باستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات والخروج عن نمط المركزية إلى التنوع مع الاحتفاظ بوحدة الأهداف والاستراتيجيات وتقليص الإجراءات والتحول إلى منظمة غير ورقية عبر إعادة هندسة الإجراءات كما تركز الوزارة في الدراسات الميدانية على العنصر التفاعلي بين الجانب الإجرائي والمهني على حد سواء وتقويم وظيفة كل منهما بصفة مستمرة مع دعم مهنة المحاماة، وتسهيل مهمتها، وإنشاء مركز للبحوث، ودعمه بالكفاءات العلمية. الزيادة ليست حلا تتجه الوزارة بقوة إلى تفعيل الأخذ ببدائل حل النزاعات لتخفيف العبء على القضاء سواء بالتحكيم أو المصالحة أو غيرهما وتأهيل المكتب القضائي بالمستشارين والخبراء وتخليص القضاة من الأعمال التحضيرية للقضية والأعمال الإدارية والتوثيقية. ويأتي كل ذلك إيمانا من الوزارة بأن زيادة عدد القضاة لن يفيد طالما أن المشكلات الأخرى قائمة، إضافة إلى ضعف الثقافة الحقوقية وعدم الحكم بأتعاب المحاماة وعدم تفعيل لائحة الحد من الدعاوى الكيدية كعوامل تسهم في تأخر البت في القضايا، ويبرز في هذا الصدد البدء الفعلي في تطبيق اللائحة التنفيذية لنظام قضاء التنفيذ والذي سيعطي الحكم القضائي قيمته الحقيقية ويقلص من تكدس القضايا بالمحاكم.