هناك من يربط بين تضحيات الشعوب وإنجازاتها، ويرى أن الشعوب التي تضحي بدمائها تضمن العيش الكريم لاحقا، وهذه هي الدروس المستفادة من الثورة الفرنسية وما حققته الدول الأوروبية المتقدمة حاليا، لكن في عالمنا العربي التضحيات ليست دوما تجلب المنافع للشعوب، بل قد تكون مصدرا للكوارث، فالعراق الذي قدم 121 ألف ضحية منذ الغزو الأمريكي عام 2003 م، حصد خسائر الكثير من الخسائر ومنها 150 قتيلا على سبيل المثال خلال أسبوعين من شهر فبراير الحالي في ظل احتجاجات يقابلها قمع وقتل دون مبالاة من النظام الحاكم، هكذا يعيش معظم أبناء العراق الذين يواجهون الموت في كل دقيقة. والسؤال ما هي الإنجازات التي حققها أبناء العراق من التضحيات التي قدمها وسيقدمها في سلسلة إراقة الدماء التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة؟. الحصاد العراقي متخم بإنجازات مؤلمة، فالعراق قلعة العروبة ومنار الحضارة يغرق في الصراعات الطائفية والعرقية، ويخوض في دماء القتل العشوائي، فمن كان يعرف مدن العراق لا يصدق ما يشاهده اليوم من الخراب والدمار، ومن يعرف الشعب العراقي لا يصدق أن هؤلاء هم من كان يعرفهم من قبل. حال العراق اليوم يعد مثالا صارخا على القدرة التدميرية التي تنفذها السياسات الخاطئة للحكومات، ويدفع ثمنها المواطن البريء جراء قرارات قيادات متعصبة، فالشعب العراقي بعموم أطيافه وطوائفه يرزح اليوم بين مطرقة القيادات الفاشلة والفاسدة، وسندان الجماعات الإرهابية وتدخلات وأطماع القوى الأجنبية. إذا حاسب التاريخ أمريكا على الذنوب التي اقترفتها في حق الشعوب الأخرى، فإن التجربة العراقية إلى جوار التجربة الفلسطينية تكونان مثالين على تجرد الولاياتالمتحدة من قيمها ومبادئها الأخلاقية، لذلك على واشنطن أن تعيد إصلاح ما أفسدته في العراق، وأن تراجع نفسها قبل المضي قدما في إبرام المزيد من صفقات سرية مع طهران تكون نتائجها المزيد من تدمير العراق مقابل تقاسم الغنائم في السر وإظهار الخلاف في العلن، فالشعب العراقي وشعوب المنطقة هي التي تدفع ثمن المساومات والمراوغات والتنافس الدولي والإقليمي على منطقتنا.