ليست بالمهمة السهلة أن تتولى امرأة في بلد شرق أوسطي عربي حقيبة وزارة حقوق الإنسان، إنها التجربة الخام في بلد تهيمن عليه الثقافة القبلية، إنها حورية مشهور وزيرة حقوق الإنسان، وصاحبة التحدي الأبرز في اليمن. مشهور شعرت ونحن نتحدث إليها وكأننا أمام امرأة حديدية أو «تاتشر اليمن» وهي القادمة من ساحات الثورة، تواجه جملة من التحديات الجسيمة للتعامل مع إرث النظام السابق والذي يواجه اتهامات متعددة بخرق حقوق الإنسان خلال فترة حكمة فضلا عن تلبية مطالب الثوار حيث شاركتهم بالحوار الثوري تارة وبالدبلوماسية تارة أخرى حتى تمكنت من إقناعهم بضرورة قبول المبادرة الخليجية التي تعتبر طوق النجاة. وتضع تقارير الرصد المتعددة التي حدد فيها المركز الوطني لحقوق الإنسان في آخر تقرير له حملا إضافيا عليها، والذي كشف عن الانتهاكات في المحافظات اليمنية خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي 2012م (نوفمبر وديسمبر) ورصد واقعا إنسانيا مترديا في اليمن، إذ بلغت وقائع الانتهاكات التي رصدها المركز في المحافظات اليمنية 508 وقائع انتهاك مخلفة (99.175) ضحية، وكانت محافظة صعدة، التي لا تزال خارج سيطرة الحكومة اليمنية وتعيش تحت حكم الجماعات التخريبية المسلحة التابعة للمتمرد الحوثي الذي ينفذ أجندة أجنبية وأعمال تصفية طائفية وفكرية ويفرض قوانين تعسفية وغير إنسانية، سجلت (46) واقعة انتهاك. وتوزعت وقائع الانتهاكات المرصودة بين الاعتداء الجسدي والتهديد ب(206) وقائع، والقتل خارج إطار القانون (174) واقعة، والاعتقال التعسفي (50) واقعة، وحرية الرأي والتعبير (14) واقعة، والاختطاف (10) وقائع، والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة (8) وقائع، والحرمان من الحق في العمل (8) وقائع، فيما كان نصيب الذين تعرضوا للتعذيب (8) وقائع، والحرمان من الحق في المحاكمة العادلة (6) وقائع، والحرمان من الحق في الصحة العامة (4) وقائع، والعنف الأسري (4) وقائع، وانتهاك حق البيئة (4) وقائع، والانتحار (4) وقائع، والحرمان من الحق في التعليم (واقعتين)، والحق في التجمع (واقعتين). وصنف التقرير ضحايا الانتهاكات إلى (76527) من المواطنين و (21238) من الطلاب، فيما بلغ ضحايا شريحة العمال (661) ضحية، والسياسيين (598) ضحية، والأطفال (65) والنساء (26) ضحية، والمحامين والناشطين (22) ضحية، والصحفيين (20) ضحية، واللاجئين (18) ضحية. وتصدرت محافظة (صعدة) قائمة المحافظات من حيث عدد ضحايا الانتهاكات ب(70.653) ضحية، تلتها محافظة (حضرموت) ب(24026) ضحية و(عدن) ب(1420) ضحية، ثم (مأرب) ب(1110) ضحايا، و(أبين) ب(790) ضحية، ثم (المهرة) ب(450) ضحية، فيما كانت العاصمة صنعاء صاحبة النسبة الأقل وب(410) ضحايا. وأوضح التقرير أن السلطات الأمنية هي صاحبة الرقم الأكبر في قائمة الانتهاك بعدد (130) واقعة، تلاها المسلحون المجهولون (120) واقعة، والمشايخ والمتنفذون (118) واقعة، والجهات الحكومية الأخرى (42) واقعة، والأسرة (36) واقعة، وتنظيم القاعدة (30) واقعة، والمواطنون العاديون (24) واقعة، والسلطات القضائية (8) وقائع، وسلاح الجو (واقعتان). هذا التقرير رصد لشهرين فقط ما جرى، ولم يتطرق لعام بكامله في يمن يحاول تجاوز تركة الماضي ويقاوم الفقر والإرهاب، ناهيك عن الصراعات والقتل والاغتيالات وقطع الطرقات، رغم أن الحكومة تبذل جهودا مضنية للحد من خرق حقوق الإنسان ومنع التصرفات غير المسؤولة من قبل الذين لا يزالون يضعون عقبات وعراقيل في طريق مساعي حكومة الوفاق والرئيس عبد ربه منصور هادي الوطنية والصادقة. ويبقى التحدي الأكبر والخطر القادم والمسؤولية الجسيمة أمام وزيرة حقوق الإنسان المرأة الشجاعة والمتواضعة والنشيطة التي تدير وزارة كان ينظر إليها البعض في الحقبة الماضية على أنها أنشئت بهدف تحسين صورة النظام، وكيف يمكن أن تنجح في وضع حد للانتهاكات وأعمال القتل التي تنفذها الجماعات الإرهابية وجماعات الحوثي التي تسيطر على محافظة بأكملها وتفرض قوانين خارج إطار الدولة والنظام وتمارس تصفيتين عرقية ومذهبية في ظل صمت الحكومة اليمنية. لكن التحدي الأكبر الذي سيواجه مشهور هو كيفية إرساء ثقافة حقوق الإنسان في بيئة تقليدية تعاني من ماض حقوقي مؤلم. ولعل الجهد الأكبر الذي سيستنزف مشهور هو الإسراع في إرساء هذه الثقافة في اليمن الجديد، وربما تكون خلفية مشهور القادمة من ساحات التغيير سيمكنها من النجاح في أحدث مهمة على اليمن ما بعد صالح.