أعاد تعيين محمد آل الشيخ رئيسا لهيئة سوق المال التفاؤل لقطاع كبير من المراقبين والمستثمرين في سوق الأسهم الذين يتوقعون من الرئيس الجديد للهيئة أن يوسع قاعدة التداول في السوق، ويقضي على التلاعب الحاصل فيه. «عكاظ» استضافت عددا من الاقتصاديين السعوديين في ندوة للنقاش حول التحديات التي سيواجهها آل الشيخ، والملفات الأكثر إلحاحا التي يتعين عليه مواجهتها لتصبح هيئة السوق المالية السعودية فاعلة أكثر في ضبط إيقاع السوق والحد من تأثير المتلاعبين. المشاركون في ندوة «عكاظ» أعربوا عن أملهم بتجديد وإصلاح كثير من الأنظمة والقوانين في سوق الأسهم السعودية التي أضحت عنوانا بارزا لكثير من انتقائية التعامل والتطبيق. موجة التفاؤل التي اكتسى بها سوق الأسهم مؤخرا تأتي من كون الرئيس المقبل لهيئة السوق المالية يمتاز بتجربة ثرية في القانون والأنظمة التجارية، وهو ما سيسعف في سد الثغرات القانونية التي نفد منها كثير من المتلاعبين إلى سوق المال. وإلى تفاصيل الندوة ونقاشاتها ومداخلات المشاركين: عكاظ: كان الحديث منذ أيام الرئيس الأسبق لهيئة سوق المال جماز السحيمي.. أن السوق تفتقد الشفافية، وبحاجة إلى إصلاحات عدة، لاتزال السوق تفتقد كثيرا منها.. فما سبب تأخر تنفيذها حتى الآن؟. بادكوك: دعني أتحدث عن ما استجد في هيئة السوق المالية السعودية، بعد أن أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله بتعيين محمد آل الشيخ رئيسا لها في تقديري أن سوق الأسهم شهدت دفعة تفاؤل إيجابية باعتبار مايمثله آل الشيخ من خبرة قانونية، لاسيما في مجال القانون التجاري. أما عن سبب تأخر الإصلاحات في سوق الأسهم فأرى أن السوق قد عانت كثيرا في فترة الاستاذ جماز السحيمي إلى أن حدث انهيارها في فبراير 2006م، وبعد ذلك جاء الدكتور عبدالرحمن التويجري ابتداء من شهر مايو 2006م، في محاولة لانتشال السوق من الوضع المأساوي الذي شهدته آنذاك، وقد كانت الآمال حينها كبيرة في أن يعاود سوق الأسهم مسيرته، ويعوض المستثمرون عن الخسائر التي منوا بها، وطيلة سبع سنوات رأس خلالها التويجري هيئة السوق المالية، شهدت سوق الأسهم السعودية تحسنا نسبيا لكنه كان جليا ودليلا على المجهود الذي بذل لتحسين آليات العمل في السوق، لكن تبقى الكثير من تطلعات المستثمرين التي لم تنعكس على أوضاع سوق المال حتى الآن. إلا أن هناك تفاؤلا واضحا مع تعيين آل الشيخ خريج القانون وممارس مهنة المحاماة لاستكمال مسيرة الإصلاح التي تتطلب مزيدا من الضوابط القانونية، وهو مطلب وطني؛ لتعزيز الشفافية؛ واستعادة ثقة المستثمرين في سوق الأسهم. مسؤولية الإصلاح باعجاجة: مسؤولية الإصلاح في هيئة سوق المال تقع على كافة الرؤساء السابقين واللاحقين، إلا أن انهيار فبراير 2006م سلط الضوء بشكل واضح على الجهود التى بذلها من قبل الرئيس السابق عبدالرحمن التويجري الذي حاول استعادة ثقة المستثمرين التي تبددت في السوق منذ ذلك التاريخ، حيث عمد إلى سن كثير من القوانين، وتطبيق العديد من الغرامات بحق المخالفين، إلا أن ذلك لم يبدد حالة الشك والريبة التي تساور معظم المستثمرين في سوق الأسهم حتى الآن. فالكثيرون يعتقدون أن السوق لا تزال تفتقد الشفافية، وليس بها أنظمة واضحة تحد من السلوكيات الخاطئة في سوق الأسهم، وما قصة شطب شركة (المتكاملة) من السوق إلا دليل على ذلك. فالمتكاملة أعلنت من موقع «تداول» عن قيامها بتنفيذ كافة شروط هيئة سوق المال، وهو ما أكسب الشركة آنذاك ثقة المساهمين التي تبددت لاحقا في وضع السوق ككل، وهو الأمر الذي نجم عنه تقدم كثير من مساهمي الشركة للتظلم إلى ديوان المظالم. ومن هنا أتوقع أن يكون ملف (المتكاملة) والشركات الأخرى ذات الأوضاع المشابهة. من أولى أوليات الرئيس المقبل للهيئة لتكون البداية نحو ضبط النواحي القانونية والتنظيمية في سوق الأسهم. حماية المستثمرين بالقانون خليفة: أود أولا القول: إن أسعار الأسهم لا تعكس واقع حال السوق السعودية التي تعيش طفرة استثمارية واقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى أن معظم الشركات تحقق نتائج عالية جدا من الأرباح الفصلية والسنوية، إلا أنه وفي مقابل ذلك تجد أن سوق الأسهم لاتزال تعيش حالة تذبذب حادة إلى جانب فقدها لثقة المسثمرين فيها، وغالبيتهم من صغار المستثمرين الذين وقع أكثرهم ضحايا لكبار المضاربين في السوق. ولذا أرى أن الحد من العمليات المضاربية في السوق إلى جانب وضع الأطر القانونية الكفيلة بحماية المستثمرين من التلاعب، كان ولا يزال من مسؤوليات رؤساء هيئة سوق المال، وهو أهم الملفات التي يجب على الرئيس المقبل القيام بها. الرقيب: منذ بدء تأسيس هيئة سوق المال كانت هنالك أخطاء واضحة وجلية عند التأسيس. فقوانين الهيئة وضعت وفق رؤية محلية، ودون الاستعانة بالخبرات، وبيوت المال العالمية. كما أن تعيين الدكتور جماز السحيمي الشخصية المصرفية المتميزة الذي كان متميزا إبان رئاسته قطاع رقابة البنوك في مؤسسة النقد أفقد تعيينه رئيسا لهيئة سوق المال توهج مسيرته الحافلة بالعطاء، بعد أن فقد السيطرة على سوق الأسهم؛ لعدم وجود أطر قانونية كافية تحد من التلاعب في السوق. تلا ذلك تعيين التويجري الذي بذل جهودا واضحة لتقنين سوق الأسهم، وظل مع ذلك يعاني من فجوات قانونية كبيرة، وغياب واضح لرقابة الهيئة. وتعيين آل الشيخ رجل القانون جاء في الوقت المناسب، حيث إن السوق بحاجة إلى مزيد من القوانين، والأطر التنظيمية. من المؤمل أن يسارع آل الشيخ البدء بها، لاسيما أنه عمل في منظمات قانونية دولية أكسبته الخبرة في هذا المجال. تكرار المعاناة عكاظ: لكن ألا ترون أن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية التي خلفها انهيار سوق الأسهم التي تسببت بانكماش الطبقة المتوسطة اجتماعيا، وتضخم أسعار العقار جراء هروب أموال المساهمين للسوق العقارية، تتطلب القفز على كافة العوائق لتنفيذ إصلاحات السوق الذي لايزال يعاني من إدراج شركات ضعيفة، وإيقاف بعضها دون بعض عن التداول؟. خليفة: لا شك أن مهمة رئيس الهيئة الجديد ستكون أكثر أهمية من فترات الرؤساء السابقين؛ بسبب الضغوط الواضحة بشأن تنفيذ الإصلاحات في سوق الأسهم التي زاد من وتيرتها التطورات المالية والاقتصادية العالمية. لكن وفي اعتقادي أن ما يحد من رؤية أي إصلاحات في سوق الأسهم هو سيطرة الأعمال المضاربية بها، في ظل غياب دور صانع السوق الذي من الممكن أن تقوم به الصناديق الحكومية التي تقف ساكنا مع ارتفاع نشاط المضاربين في السوق، وكان من الممكن أن تقوم تلك الصناديق بكبح الارتفاعات المتتالية في الأسعار وبطريقة سلسلة ومنهجية. أضف إلى ذلك أن معظم المتعاملين في السوق هم من فئة صغار المستثمرين الذين لا يمتلكون في الغالب ثقافة استثمارية كافية للتعامل مع السوق، فأصبحوا وسيلة كسب لكبار المضاربين إلى جانب أن سوق الأسهم يعد سوق شائعات من الطراز الأول، وتتحكم به العوامل النفسية للمتعاملين في السوق. بادكوك: أعتقد أن السنوات السبع الماضية خسر فيها معظم المستثمرين، ولم يتمكنوا من تعويض خسائرهم حتى الآن. ولم نشاهد من الانهيار الشهير لسوق الأسهم في 2006م وحتى الآن أي إجراءات ملموسة لمحاسبة المتسببين في الخسائر التي تجرعها المتداولون منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. فمعظم المتداولين يدرك جيدا أن هناك أفرادا ومؤسسات كانوا السبب وراء انهيار السوق، وهم الآن بعيدون كل البعد عن المحاسبة، وهو الأمر الذي أفقد الثقة في سوق الأسهم؛ مايعني أن أية إصلاحات حقيقية حتى وإن جرت لن تستطيع إعادة الثقة لسوق الأسهم. فذلك هو السبب الأساسي الذي يمكن من خلاله الانطلاق نحو الإصلاح الحقيقي للسوق. فنحن وإلى الآن حيث شهد السوق العديد من الإصلاحات لم يصل حجم التداولات اليومية إلى الآن سقف الثمانية آلاف نقطة، وهو مؤشر ضعيف جدا لا يعكس واقع وحجم الاقتصاد السعودي. فسوق الأسهم السعودية بحاجة الآن إلى «الإرادة» قبل الإدارة في إماطة اللثام عن المتلاعبين في السوق منذ انهيار 2006م وهو الملف «الشائك» الذي في اعتقادي يجب أن لا يسقط بالتقادم، بل يجب محاسبة المتسببين فيه بأثر رجعي، وسنرى حينها كيف سيكون واقع الحال لسوق الأسهم السعودية. وفي موازاة ذلك يجب أن لا ننسى أن السوق بحاجة إلى التطوير، من خلال استكمال هيكلة السوق، وإكمال منظومتها التشريعية، وتحقيق العديد من المقترحات الاقتصادية الواعدة لخدمة سوق الأسهم. فهناك مقترح قدم في وقت سابق يعني بإقامة « صندوق التوازن» وهو صندوق مالي قوامه 100 مليار ريال. الهدف منه حماية سوق الأسهم السعودية من التذبذبات الحادة التي قد تطرأ، وهذا المقترح تطبقه العديد من الأسواق المالية العالمية. أضف إلى ذلك أن من أهم المخاطر التي تحد كثيرا من جدوى الإصلاحات التي تقوم بها الهيئة عدم قدرة الهيئة في إيجاد آلية صحيحة لوقف التلاعب في سوق الآسهم من كبار المضاربين الذين باستطاعتهم تحريك أسهم العديد من الشركات، والصعود بها عشرة أضعاف سعرها الحقيقي؛ الأمر الذي يشكل إغراء لاصطياد صغار المستثمرين.. ولذا فإن الهيئة ومهما كان حجم وسرعة تطبيق الإصلاحات، ستكون بمنأى عن ذلك في نظر المستثمرين مالم تلغ أيضا صفقات المخالفين لأنظمة السوق الذين كبدوا وغرروا بالكثير من المستثمرين. لا أن تفرض عليهم الغرامات المالية فقط، ويمنعوا من دخول السوق لفترة ما.