كلمة بنطلون جذورها إيطالية، ويقال إنها مشتقة من كلمتي «بيانتا ليون» pianta leone، ومعناها «ازرع الأسد»، الأسد هنا هو رمز لعلم لجمهورية «فينيقيا» التي كانت إحدى أقوى بلاد العالم من خلال تفوقها البحري والتجاري خلال القرن الثالث عشر إلى السابع عشر. وهناك بعض الجوانب التاريخية العجيبة والفنية للبنطلون الجديرة بالذكر، وإليكم بعضها: في الفترة بين منتصف القرن الثالث عشر ومطلع القرن التاسع عشر تم تمرير أكثر من 1355 قانونا حيال ملابس المواطنين في ألمانيا. وكانت هذه الحقبة التاريخية غنية بتحديد استهلاك المواطنين للباس والشراب والأكل، بل وحتى للترفيه. وكان أحد الأهداف من هذه القوانين هو ضبط سلوكيات الطبقات العاملة لتأكيد عدم تأثر إنتاجيتهم بالسلع الجديدة، ومنها مثلا المسهرات مثل الشاهي والقهوة. ولكن كان هناك أيضا جانب اجتماعي داكن، وهو التأكيد أن لا يتم الخلط بين الطبقة الأرستقراطية والطبقة الكادحة. ويأتي هنا موضوع البنطلون. كانت البنطلونات الوسيعة جدا هي إحدى علامات الرقي في عالم الأزياء للرجال. ورأت بعض الجهات الحكومية عدم مناسبة أن يقوم كل من «هب ودب» حسب زعمهم بلبس ما يريد، وذلك لتأكيد التفرقة بين الطبقات المختلفة في المجتمع. وعليه، فقد قامت الحكومات المحلية والإقليمية المختلفة بمنع الطبقات العاملة من لبس البنطلونات الوسيعة. وفرضت غرامات باهظة تصل إلى ما يعادل نصف شهر من المرتب لكل من يجرؤ على كسر هذه القوانين. وفي بعض الأحيان تم حرمان بعض المواطنين الفقراء من المعونات بناء على لباسهم للبنطلونات الواسعة. وهذه ترجمة لمقتطفات إحدى التهديدات عام 1661 نشرت في مجلة «هيستوري» History البريطانية التي تصدر عن البي بي سي «.... وقد لاحظنا لبس المواطن الألماني (هانز جاكوب)، وهو مجرد ابن خياط، لبنطلون واسع جدا... وهي أزياء لا تليق بمقامه... ولو كرر ذلك، فستتم مصادرة هذه الملابس بأمر أمير المقاطعة..» طبعا لم يكن الموضوع محصورا على البنطلونات الواسعة فحسب، ولكن جملة هذه القوانين كانت تعكس أحد مصادر تأخر بعض الدول الأوربية في تطبيق أبسط مبادئ العدالة والمساواة بين البشر. وعلى صعيد آخر، فستجد بعض من عجائب البنطلون في أماكن لا تتخيلها. أشير هنا إلى التحقيق في إحدى كوارث الطيران المدني منذ حوالي ثلاث سنوات. سقطت طائرة حديثة جدا في المحيط وتوفى الله جميع من فيها. النقطة هنا هي أن التحقيق لم يستطع الحصول على الصندوقين الأسودين من قاع المحيط. وبالتالي، أصبحت الكارثة مليئة بالتساؤلات. والعجيب هنا هو أن بنطلون قائد الطائرة كانت له قصة غريبة: تعمد هذه الشركة الأوربية كغيرها من شركات الطيران في رحلاتها الطويلة أن يكون هناك طيار إضافي في المقصورة. وجرت العادة أن يقوم أحد الطيارين بأخذ قسط من الراحة والنوم خلال الرحلة. ولكن هذه الشركة بالذات تعتز في آخر الرحلة أن يكون القبطان في وداع الركاب، وأن تكون بذلته أنيقة وغير «مكرمشة». ولذا فإذا نام القبطان في المكان المخصص للنوم بداخل مقصورة القيادة فيقوم بخلع البنطلون الرسمي حفاظا على شكله ويرتدي بنطلون بيجاما أو ما شابهه. الشاهد هنا أن عند العثور على جثة القبطان في هذه الحادثة، كان لابسا البنطلون الرسمي، وبالتالي فتم الاستنتاج أنه لم يكن نائما أثناء فترة الكارثة التي استغرقت فترة حوالي أربع دقائق فقط. وأخيرا، إليكم هذا المثال في مجال العمران: فقد تم بناء إحدى أهم ناطحات السحاب في الصين ذات ال74 طابقا في مدينة «سوجيو» على بعد سبعين كيلومترا من «شنغهاي». ويتميز المبنى بكتلته الضخمة، فيتكون من برجين مرتبطين في أعلاهما وفتحة عملاقة، وكأنها بوابة ضخمة بشكل «لا» المقلوبة بهدف تمثيل بوابة المدينة. ولكن كتلة المبنى الضخمة كونت الإيحاء بأنه «البنطلون العملاق» وقد أطلق عليه أهالي المدينة هذا الاسم فعلا. تسبب هذا في الإحراج لإدارة المدينة التي كانت تهدف لأن تكون هذه المنشأة أحد الرموز العمرانية المميزة للمدينة. وبالنسبة لي شخصيا أرى أنه أقرب إلى «السروال» الطويل العملاق «أبو دكة» بكمرة في أعلاه. أمنية وأخيرا، فهناك مقولة طريفة في أوروبا تطرح السؤال «من يلبس البنطلون في بيتكم؟»، أي من هو القائد الحقيقي للقرارات المنزلية؟ أتمنى أن نطرح نفس السؤال بزاوية أخرى لبعض الدول العربية التي تعاني من فقدان مقومات العدالة الاجتماعية، والرؤية للحفاظ على مكتسبات تنميتها. فمن يلبس البنطلون في بلادهم؟، والله أعلم بأوضاعهم. وهو من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة