نصف ساعة مرت ونحن في انتظار لقاء مدير مستشفى الليث العام، انتظرناه قليلا في صالة السكرتارية بسبب اجتماع للمدير مع لجنة من الشؤون الصحية في محافظة جدة وصلت الى الموقع لمناقشة بعض الملفات الجديدة للمشفى. أخيرا سمحت السكرتارية بالدخول بعد نهاية الاجتماع، لنفاجأ بأن من يجلس على مكتب إدارة المستشفى الليث، شاب لم يتجاوز ال 29 عاما، مكتب وثير، أوراق كثيفة، وسجلات مرضى، ومعاملات تنتظر قرار «علي الصعب» الشاب الذي قدم نفسه بجسارة للمسؤولين في وزارة الصحة حيث بدأ موظفا صغيرا في المركز الطبي التخصصي في الحرس الوطني كفني خدمات مرضى، ثم مشرفا لشؤون المرضى في الشؤون الصحية بمحافظة الطائف، ويصعد تدريجيا حتى اعتلى بجدارة منصب مدير مستشفى الليث. الشاب علي الصعب واجهته كثير من (المصاعب) والعقبات، غير أنه تجاوز عنها متفرغا لتطوير ذاته والعمل الدؤوب على الرقي بالخدمات في المستشفى، رافضا أن تترك الاحباطات أثرا في نفسه . يقول إنه تجاوز الصغائر ليواجه المهام الكبيرة وشرح تفاصيل وفلسفة رحلته بالقول «في مجتمعاتنا العربية نلتفت الى الشكل أكثر من المضمون، بعكس ماهي عليه الحال في المجتمعات الغربية التي تهتم بالعقول ومحتواها، لم أجد صعوبة في التعامل مع المسؤولين في وزارة الصحة وفي الشؤون الصحية في جدة التي منحتني الفرصة بعد أن لمست أهليتي لقيادة المستشفى. لم ينظروا إلى عمري فقد تدرجت في العمل. بدأت في المركز الطبي في الحرس الوطني في جدة بمجال خدمات المرضى ثم انتقلت إلى صحة الطائف مشرفا على شؤون المرضى، ومشرفا للسجلات الطبية، ثم مساعدا لمدير ادارة المستشفيات في صحة الطائف، ومن هنا كانت انطلاقتي الادارية القيادية، والتحقت بإدارة علاقات المرضى في وزارة الصحة بالرياض ثم عدت ثانية إلى الغربية مديرا لمركز الرعاية الصحية الأولية». تبديد الصعاب اقتنع المسؤولون في صحة جدة بأداء ومهارة الشاب علي الصعب ليتم ترشيحه لقيادة مستشفى الليث اداريا باعتباره احد أبناء المحافظة والأدرى بحاجاتها وطبائع ناسها .. ويعود الصعب للحديث ويضيف: «تعاملت مع الموقف بثقة كبيرة، إذ إن عملي في أكثر من جهة منحني خبرة ودراية بالعمل الإداري، إضافة الى دراستي للماجستير في إدارة الخدمات الصحية والمستشفيات في جامعة الملك عبدالعزيز وقبلها حصولي على درجة البكالويوس في إدارة الخدمات الصحية، كل تلك العوامل ساعدتني في أن أقود المستشفى باقتدار وبشهادة الجميع». وعن العقبات التي واجهته يقول: «صحيح واجهتني مصاعب وعقبات كوني اصغر مدير لكني لم أعرها أي اهتمام، فالمسؤولون في الوزارة لديهم الوعي الكافي، الأمر الذي ساعدني على تقديم نفسي بصورة جيدة». نجاح 100 % ويزيد الصعب انه استطاع في فترة قصيرة تقديم كثير من الإنجازات التي كان لها الأثر البالغ على نفسه حيث حفزته النجاحات على مزيد من العطاء حيث حصل مستشفى الليث هذا العام، على أفضل نسبة نمو في الموارد الذاتية اذ بلغت نسبة النمو أكثر من 100% وهي النسبة الأعلى على مستوى مستشفيات جدة، كما ساهم الصعب في توفير بيئة عمل مناسبة لجميع العاملين من خلال تدريبهم وتحفيزهم واشراكهم في اتخاذ القرار مع ايجاد نظام فعال يعتمد على أسس ادارية حديثة والعمل بروح الفريق الواحد. كما أسهم في رفع قيمة عقود التشغيل وعقود الصيانة الطبية ورفع رواتب العالمين في الشركات، ونجح المدير الشاب في دعم المستشفى بسيارات اسعاف جديدة وأجهزة مختبر واشعة مع توفير أجهزة غسيل كلوي والكثير من الدعم الذي حصل عليه في فترة توليه مهام الادارة حيث تجاوب معه المسؤولون بعدما لمسوا فيه الحرص والجدية في تطوير العمل. ضحكة في الطوارئ يضيف المدير الشاب علي الصعب «لم يكن السن عائقا في التعامل مع الكفاءات الطبية من استشاريين، اخصائيين، وكفاءات تمريضية، رغم أنهم يكبروني سنا، استقطبت أطباء أسنان، وولادة وغيرها من التخصصات، ولم يتحرج أحد منهم من العمل معي، بل لمست منهم العمل بروح الفريق الواحد». وعن اغرب القصص والحكايات التي صادفته يقول «أتذكر موقفا طريفا مع استشاري مقيم حيث طلبته للعمل في المستشفى وبعد مفاوضات ومحاولات نجحت في نقله إلى المستشفى وبعد ايام من وصوله قابلته في قسم الطوارئ لأول مرة، فاعتقد لأول وهلة بأنني أحد المراجعين فتقدمت له وعرفته بنفسي فلم يصدق، ظل لحظات في ذهول ثم أطلق ضحكة، مستغربا من صغر سني، ليتحول الحديث بعد ذلك جديا عن العمل وتطوير القسم». الشاب علي الصعب يرى أن القرار المتعلق بالمستشفيات وادارتها، يجب أن لا يملكه شخص واحد وأن يتفرد به دون غيره، كونه المسؤول الأول في المستشفى، لذلك عمل على تكوين مجلس إدارة يضم عددا من القيادات الإدارية والفنية في المستشفى، يعقدون اجتماعا دوريا للنظر في قضايا المستشفى ويصدرون القرارات اللازمة حيالها، ومتابعتها بشكل مستمر، وهو الامر الذي يعتبره الصعب نهجا للإدارة الحديثة.