لعل الحديث عن أهمية رعاية اللغة العربية وحمايتها من الفساد لا يضيف جديدا، لكنه يظل واجبا قوميا، وخصوصا في مثل هذا العصر الذي أخذت فيه اللغة العربية تتعرض لأصناف متعددة ومتنوعة من أشكال الفساد، وفي مقدمة ذلك ما تتعرض له اللغة العربية من أذى على يد الإعلام الرقمي الجديد. وخلال هذا الأسبوع على مدى يومي الأحد والاثنين الماضيين عقد في رحاب جامعة الأميرة نورة ملتقى (تحولات العصر الرقمي وآثارها على اللغة العربية) الذي يرعاه كرسي صحيفة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة في جامعة الأميرة نورة. وهو ملتقى يهدف إلى معالجة قضايا اللغة العربية وما تواجهه من انحدار وتشويه، في خضم إعلام التقنية الحديثة المملوء بالتحريفات اللغوية؛ كشيوع اللغة العامية واستخدام الأرقام بدلا من الحروف وانتشار التعبيرات الإنجليزية... وما شابه ذلك من فساد يتغلغل في جسد اللغة العربية. ولظروف سفري لم أتمكن من حضور هذا الملتقى؛ لذلك فإني لا أدري ما الذي طرح فيه من موضوعات، ولكن من عنوان الملتقى أفترض أن المواضيع كانت مركزة على الإعلام الرقمي وتأثيراته الضارة على اللغة، إلا أني بحكم تخصصي التربوي أجد أن ما ينتشر في الإعلام من لغة رديئة هو نتيجة التعليم الرديء للغة العربية قبل أن يكون بسبب الإعلام الرقمي، ولو كان المسهمون في ذلك الإعلام يتقنون لغتهم العربية ما تركوا الإعلام الرقمي أو غيره ليكون سببا في فساد لغتهم. مشكلة تعليم اللغة العربية في بلادنا باتت تعاني من أمرين، أحدهما ضعف تعليم اللغة في المدارس، والآخر تنامي (موضة) عدم استعمال اللغة العربية في التعليم في بعض المدارس الخاصة واللجوء إلى التعليم باللغة الإنجليزية بدلا منها، فاللغة العربية في تلك المدارس تقدم كلغة إضافية تدرس ضمن ساعات مضافة إلى البرنامج التعليمي الأجنبي، فهي تعامل كما لو أنها هي اللغة الثانية واللغة الأجنبية هي اللغة الأولى، وهو بالطبع ما يضعف إتقان اللغة العربية عند الطالب. إن هذا لا يعني عدم الاعتراف بأهمية إتقان اللغة الإنجليزية لولوج عالم المعرفة والتقنية الحديث، ولكن هل إتقان الإنجليزية لا يتحقق إلا بتهميش اللغة العربية؟ وهل مما يفخر به أن يتقن الطالب العربي اللغة الأجنبية ويتعثر في لغته الأم؟ إنك حين تجلي لغتك عن المقدمة وتركنها في زاوية سفلى خلفية، لا تكون تعبر عن ازدرائك لها فحسب، وإنما لكل ما تمثله اللغة وتعبر عنه، ذاك يعني ازدراءك لقوميتك ودينك الذي جاء بها وتراثك وتاريخك وتفردك، فتهميش اللغة الأم يعني تهميش الذات، حيث لا يتبقى تفرد ولا تميز في الكيان، وإنما مجرد حلقة في سلسلة توابع ناطقة باللغة الأجنبية. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة