لا يمكن لنا أن ننكر أن بعض الذين يتصدون للفتوى من غير أهلها يحملون في جوانبهم روحا مرحة قادرة على إثارة الضحك الذي لم تعد أكثر الأفلام والمسرحيات الكوميدية قادرة على إثارته في عالم يتهالك ويتهاوى تحت وطأة القتل والتدمير والتشريد بعد أن ظل حقبا يئن تحت سلطة القهر والذل والاستبداد. بعض الذين يتصدون للفتوى من غير أهلها ضل بهم الطريق فانتهوا إلى منابر الدعوة والإفتاء، وكان الأجدر بهم أن ينخرطوا في معاهد التمثيل لينموا موهبتهم القادرة على أن تنتزع منا الابتسامة في أشد الظروف قتامة، غير أنهم رغم ما انتهوا إليه ظلوا قادرين على أن يكونوا أنموذجا للممثل الكوميدي الذي تتواضع قدرات عادل إمام وقبله إسماعيل ياسين أمام قدراته. وإذا لم يكن من الصعب علينا أن نستعيد بعض تلك الفتاوى المثيرة للضحك، فإن واجب الاهتمام والعناية بما يستجد منها يفرض علينا الوقوف أمام أحدثها وأجدها، فمن شأن مثل ذلك الاهتمام أن يشجع أصحابها على إتحافنا بمثلها بين الفينة والأخرى، فنستعيض بهم عن مطاردة الأفلام المستهلكة وتبادل النكت في المقاهي الشعبية. آخر تلك الفتاوى ما أفضل به أحد المتصدين للدعوة والإفتاء من تحريم خلوة المرأة بالقرد؛ خشية من أن تشتهيه وتقع في فعل الفاحشة معه، ولا يتوقف تحريم الخلوة عند القرد فحسب، بل يشمل «كل حيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه»، ولذلك يظل الحكم مفتوحا على كل الاحتمالات لا يقوى على تحديده إلا عند فضح الحيوانات لأنفسها وإعلانها عن اشتهائها للمرأة أو اعتراف النساء باشتهائهن لهذا الحيوان أو ذاك. وإذا كانت مثل هذه الفتوى يمكن لها أن تجد سندا لها في فتاوى بعض المتقدمين من العلماء، إلا أن السياقات التي ترد فيها والملابسات التي تظهر فيها والاحترازات التي تقف وراءها تجعل من قطعها عن تلك السياقات والاحترازات والملابسات وتقديمها للجمهور في فتوى عامة يجعل منها أمرا مثيرا للسخرية، وذلك ما حدث حين تداولت مواقع التواصل الاجتماعي فتوى تحريم خلوة المرأة بالقرد وبكل حيوان تشتهيه المرأة أو يشتهيها. المؤلم حقا أن تصبح تلك الفتوى وسيلة للنيل من الإسلام وأحكامه وعلمائه، وتصبح أنموذجا لاهتمامات بعض علماء المسلمين بشأن أمة تمزقها الفتن والحروب وتتكالب عليها الأمم وتعاني من الفقر والجهل والفساد، وتحتاج وقفة صادقة من علمائها يردونها إلى قيم الإسلام العليا المكرسة للعدل والنزاهة والإخاء. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 165 مسافة ثم الرسالة [email protected]