قديما قالوا خذوا الحكمة من أفواه المجانين، واليوم سأورد مطلباً واحداً من حزمة مطالب سردها المواطن الإنسان ناصر بن سعيد الذي يعاني من مرض نفسي يدفعه إلى التجرد من ملابسه والسير على طرقات جدة القديمة هائماً، يرقص تارة ويضحك تارة أخرى، ويبكي عندما يعود إليه عقله ويرى منظره وحاله ونظرات المجتمع إليه. ناصر المعتل نفسياً، يرى أن لا حل لمشاكله وبقية المرضى النفسيين إلا بتعيين وزير يرعى شأنهم وغيره مما يعانون من الجنون بأشكاله وصوره المختلفة، فهو يرى أن وزارة الشؤون الاجتماعية لم تقم بدورها، ووزارة الصحة لم تؤمن المستشفيات الكافية والعلاج البديل والرعاية اللاحقة، ويتساءل بحرقة ودموعه تنهمر لتفوح من ذقنه رائحة التعب وسنوات الضياع والتشرد، من يرعى شأننا؟ نقتات على الصدقات، ونعاني هجران الأسرة ونظرات الازدراء. حال المرضى النفسيين في وطننا لا يسر، ووزارة الصحة بكفاءاتها وأذرعها وميزانيتها الضخمة لم تحدث فرقاً في علاجهم، ولم تقدم الرعاية الطبية اللازمة داخل المستشفيات أو خارجها، وليس لديها إحصائيات دقيقة عن حجم المشكلة، فالحل في نظرها إما علاجاً قاسياً كما يحدث في «شهار» الشهير، أو التشرد في الشوارع وافتراش الطرقات في منظر يستفز العاطفة والشفقة، ويطرح عشرات الأسئلة عن دور الوزارة العتيدة، وموقف صناع القرار فيها من مناظر هؤلاء المواطنين، ومعاناة الأسر التي ابتليت بمرضى من هذا النوع، فلا هذه الأسر قادرة على رعاية الأبناء ولا التخلي عنهم فهم فلذات أكباد وفي نظر أمهاتهم أصحاء بتمام العقل. أما وزارة الشؤون الاجتماعية فهي الأخرى تغرد في وادٍ آخر، وتنتظر من مريض نفسيا إما حبيس منزله أو هائما في الشوارع أن يزور مكاتبها ويطلب إعانة مالية تساعده على تخطي صعوبات الحياة وشراء العلاج والتردد على عيادات القطاع الخاص، فالباحثون الاجتماعيون أدمنوا هواء المكاتب العليل، وصناع القرار لم يضعوا في أولوياتهم هذه الفئة المغلوبة على أمرها. ولأن الطاسة ضائعة، ودم المرضى النفسيين سيذهب هدراً، فإن الحل الذي طرحه الإنسان ناصر يصبح منطقياً ويستحق التأمل، وبدلا من تركهم يضيعون، ويتشردون، ويعانون الفاقة وضنك العيش ووبال المرض فإن الحل في استحداث وزارة لشؤون المجانين يعين على هرمها وزيراً يصبح منطقياً، مهمته رعاية المجانين وجمع شتاتهم وتقديم العناية لهم من الولادة حتى القبر. [email protected]