كلُّنا مجانين!!  محمد بن علي الزهراني* يقول وكيلُ وزارة الصحة الدكتور ناصر الحواسي: إن الوزارة تقوم حاليًّا بإنشاء 14 مستشفى للصحة النفسية، في عددٍ من المناطق، وسيرتفع العددُ إلى 24 مستشفى تخصصيًّا للأمراض النفسية وعلاج الإدمان. وقال بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية: إن وزارته رصدت 200مليون ريال لشراء أدوية نفسية للمرضى الذين يراجعون مستشفيات الوزارة. * ولا شك أن هذه بشرى سعيدة، جاءت في وقتها، وتزامنت مع نشر تقارير صحفية مفادها أن المراكز الطبية، والعيادات النفسية في المملكة شهدت خلال الأسبوعين الماضيين زيادة في نسبة المراجعين، تجاوزت 20%. وعزا الدكتور خالد باحاذق -وهو استشاري نفسي وأُسري- ارتفاع النسبة إلى إصابة كثيرٍ من الأشخاص بالقلق، والتوتر، والاضطرابات الحادّة من جرّاء انهيار سوق الأسهم والبورصة، وما تعرّض له البعض من خسائر وأزمات مالية جرّاء ما يعيشه الاقتصاد العالمي حاليًّا من هزّات. * دراسات أخرى تُشير إلى أن 15 ألف مواطن مصابون بانفصام الشخصية في مدينة الرياض وحدها مع نهاية عام 2006م، في الوقت الذي يرى مختصون أن المملكة تفتقر حتى الآن لوجود دراسات (أيديومولوجية) تحدد بطريقة علمية ومنهجية انتشار الأمراض النفسية، وتصنيفاتها، وديموغرافيتها. لكنّ المتتبّع لما يجرى في الساحة من أحداث، وحوادث، ومواقف يومية يشعر أن المجتمع يعاني من بعض المُحبِطات التي أفرزت لنا حوادث جنائية، وحالات عنفٍ، وانتحارٍ، وعقوقٍ، وتسلّطٍ، واغتصابٍ، وابتزازٍ، وفسادٍ إداريٍّ، واستغلالٍ، وتطاولٍ، ونصبٍ، واحتيالٍ، وتمرّدٍ على القيم. * المختصون يعتبرون أيَّ شخصٍ يمارسُ أيًّا من السلوكيات السالف ذكرها شخصًا غيرَ سويٍّ، ويعاني من مرضٍ ما.. أمّا العامةُ فإنّهم يجعلون من المرض النفسي شماعةً يبررون بها تصرفات البعض الآخر ممّن يهمهم أمرهم. حتّى أسرفنا في الإساءة للمرض ذاته، وحوّلناه إلى جسر نعبره كلّما رغبنا في ارتكاب محظور، أو ممارسة خطأ يمقته الدِّين والمجتمع حتّى تطبّعنا، ورسخّنا في أذهاننا ثقافةً تقودُ الكثيرَ منّا إلى سلوكياتٍ غير متوازنةٍ، وغير منطقيةٍ، تتعارضُ مع كل نظريات العقل، والنّفس، والروح. * يعارض أساتذة الطب النفسي إطلاق مسمّى “مجنون” على مرضاهم النفسيين، وأنا أتّفقُ معهم فيما يخصُّ المرضى المشخَّصِين (إكلينيكيًّا)، لكنني أختلفُ معهم، ولا أتحفّظ في إطلاق هذا المسمّى على أولئك الأدعياء، الذين تركوا أفكارهم تحرّك سلوكهم، وتتحكّم بنظرتهم إلى الأمور.. وما أكثرهم في مجتمعنا! حتّى أصبحنا نشكُّ أنّنا مجانين بالعدوى!! ويا أمان الخائفين. ****************************** *أحدأبناء منطقة الباحة ، نائب رئيس تحرير صحيفة \"المدينة\" السعودية.