سبق لوزير الاقتصاد والتجارة اللبناني نقولا نحاس أن صرح في افتتاح أعمال الدورة ال89 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي التي عقدت في فبراير 2012 على أهمية تفعيل الاتفاقات الاقتصادية العربية الموقعة أو التي ستوقع، وصولا إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي ولفت إلى ضرورة العمل على إزالة كل القيود غير الجمركية بهدف تفعيل البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وضرورة استكمال قواعد المنشأ التفصيلية واستكمال الأطر القانونية والمؤسساتية للاتحاد الجمركي العربي طبقا للجدول الزمني المقرر. وفي التفاصيل كشف الدكتور محمد التويجري الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الجامعة العربية عن انتهاء الجامعة من الإعداد لقانون «الاتحاد الجمركي العربي»، وأنه تم الاتفاق على إطلاقه في 2015، مشيرا إلى أن قمة الرياض العربية الاقتصادية التي ستعقد في كانون الثاني (يناير) 2013 ستناقش اللمسات النهائية لذلك الاتحاد، إلى جانب مناقشة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي تشارك فيها الآن 18 دولة عربية ساهمت في زيادة التبادل التجاري بين الدول العربية بنسبة 12%. وتبقى خمس دول هي السودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر واليمن على قائمة الانتظار لاستكمال بعض متطلبات الانضمام. كما لفت التويجري حينها إلى أن أواخر العام 2012 سيكون حاسما بالنظر إلى وجوب الانتهاء فيه أيضا من القواعد التفصيلية للسلع والخدمات، تحضيرا «لما تبقى من الاتحاد الجمركي». وأوضح التويجري حينها أنه تم البدء في التحضير للاتحاد الجمركي في قمة الكويت العربية الاقتصادية التي عقدت في 2009. وأضاف بأن الجامعة وضعت تسلسلا زمنيا يتعلق بالتكامل الاقتصادي العربي الذي يجب الانتهاء منه وهي: منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، الاتحاد الجمركي، السوق المشتركة، التكامل الاقتصادي، والوحدة النقدية. ومن تلك التصريحات يلاحظ أن التكامل الاقتصادي العربي مازال ضحلا في سلم مستويات التكامل الإقليمي بمعنى أنه في المستوى الأدنى من المستويات الخمسة التي رتبها الأمين المساعد من الأدنى إلى الأعلى. ورغم أن المنطقة الحرة لم تكتمل لتشمل الدول العربية الخمس الأقل نموا حسب تصنيف صندوق النقد الدولي. ورغم شكوى الوزير اللبناني من (عدم تفعيل الاتفاقات السابقة) وأمله في تفعيل الاتفاقات اللاحقة، وإزالة العقبات والحواجز غير الجمركية التي مازالت تعيق الحركة بين الدول العربية، إلا أن التويجري تحدث حينها بتفاؤل كبير عن إمكانية إقرار الاتحاد الجمركي العربي في القمة الحالية والبدء في تنفيذه اعتبارا من 2015 متجاوزا حقيقة مفادها أن أكثر من أربع سنوات مرت على الموعد النهائي الذي سبق ضربه من نفس المجلس في دورته التاسعة والخمسين المنعقدة بمقر الأمانة العامة للجامعة في القاهرة بتاريخ 19/2/1997م بشأن إعلان «منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى» خلال عشر سنوات ابتداء من 1/1/ 1998م. ولقد أصابتني عدوى التفاؤل حينها في مقالة لصحيفة خليجية بإمكانية استكمال متطلبات المنطقة التجارية العربية الحرة والاتحاد الجمركي العربي قبل القمة التي تختتم حاليا في الرياض خاصة أن الربيع العربي غير ومازال يغير الكثير من المفاهيم والمسلمات على أرض الواقع. ولكن يبدو أن الربيع العربي أيضا زاد المخاوف بشأن الاستثمارات العربية البينية بعد أن أدخلت بعض القوى السياسية الصاعدة في الدول التي تغيرت المنظومات الحاكمة فيها تلك الاستثمارات وخاصة الخليجية منها في لعبة الشد والجذب السياسي من منطلق أن تلك الاستثمارات توطنت تحت مظلة الفساد التي كانت سائدة في بلادهم، وأنهم يعيدون النظر فيها وذلك بالرغم من وجود اتفاقية موقعة لضمان الاستثمار بين الدول العربية وبالرغم من أن المستثمرين لا شأن لهم بفساد الأنظمة السياسية للدول المضيفة. ولا شك بأن مثل هذا اللجوء للسيادة القطرية في فرض الرأي واتخاذ القرارات التي قد تتسبب بالإضرار بالمستثمرين سواء كانوا أشخاصا اعتباريين أو طبيعيين مع الرمي عرض الحائط بالمعاهدات والاتفاقيات العربية يسيء للدولة التي تلجأ إليه ويجبر الاستثمار على الرحيل، لأن الاستثمار حساس للغاية فيما يتصل بأمنه كما أنه بطيء في الاستجابة مستقبلا في العودة للدولة التي سبق أن هدد فيها. ولعل أوضح مثال للممارسات غير المسؤولة في التعامل مع الاستثمارات العربية ما أقدم عليه الرئيس المصري الأسبق أنور السادات أيام ربيعه الإسرائيلي بالاستيلاء على مصانع هيئة التصنيع الحربي العربية وتجميد أموالها. وبعد تلك المصادرة لم نسمع بأي مشروع عربي مشترك يمكن أن ينعكس بآثاره الإيجابية على الجميع. ويبقى أن نشدد على أنه بالرغم من تغير الأولويات بين قمة عربية اقتصادية وأخرى إلا أن الملاحظ أن جل الموضوعات التي تطرح فيها بما فيها موضوع حماية الاستثمار أو الطاقة أو البطالة ومعالجة الفقر وشبكة المواصلات هي موضوعات جزئية يمكن أن تعالج على مستويات أقل من القمة إذا ما حسنت النوايا وتوفرت الإرادة السياسية، وركزت القمة على تعميق التكامل العربي ونقله في أسرع وقت ممكن إلى مستوى الاتحاد الاقتصادي كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي. [email protected]