ستقرؤون اليوم حكاية تبدو طريفة في نصها، لكن ليس للطرافة وحدها أورد الحكاية، فالحكاية تتضمن بين سطورها صورا للحياة تستحق منا التأمل. في كتاب (الترقيص) لابن المعلى الأزدي وردت هذه الحكاية الشيقة التي يرويها الرياشي عن الأصمعي أنه قال: كنت أغشى بيوت الأعراب أكتب عنهم كثيرا حتى ألفوني وعرفوا مرادي، فأنا يوما مار بعذارى البصرة، قالت لي امرأة: يا أبا سعيد ائت ذلك الشيخ فإن عنده حديثا حسنا فاكتبه إن شئت. قلت: أحسن الله إرشادك، فأتيت شيخا هماً (بكسر الهاء) فسلمت عليه، فرد علي السلام وقال: من أنت؟ قلت: أنا عبدالملك بن قريب الأصمعي، قال: ذو (الذي) يتتبع الأعراب فيكتب ألفاظهم؟ قلت: نعم، وقد بلغني أن عندك حديثا حسنا معجبا رائعا، وأخبرني باسمك ونسبك، قال: نعم. «أنا حذيفة بن سور العجلاني، ولد لأبي سبع بنات متواليات، وحملت أمي، فقلق قلقا كاد قلقه يفلق حبة قلبه من خوف من بنت ثامنة، فقال له شيخ من الحي: ألا استغثت بمن خلقهن أن يكفيك مؤنتهن! قال: لا جرم، لا أدعوه إلا في أحب البقاع إليه، فإنه كريم لا يضيع قصد قاصديه، ولا يخيب آمال آمليه، فأتى البيت الحرام وقال: يارب حسبي من بناتٍ، حسبي شيّبن رأسي وأكلن كسبي إن زدتني أخرى خلعت قلبي وزدتني هماً يدق صلبي فإذا بهاتف يقول: لا تقنطن، غشيت يابن سور،، بذكرٍ من خيرة الذكور ليس بمثمود ولا منزور،، محمدٍ من فعله مشكور موجّه في قومه مذكور فرجع أبي واثقا بالله جل جلاله، فوضعتني أمي، فنشأت أحسن ما نشأ غلام عفة وكرما، وبلغت مبلغ الرجال وقمت بأمر أخواتي وزوجتهن، وكن عوانس، ثم قضى الله تعالى أن سترتهن ووالدتي، ثم من الله علي أن أعطاني فأوسع وأكثر، وله الحمد، وولدت رجالا كثيرا ونساء، وإن بين يدي القوم من ظهري ثمانين رجلا وامرأة.» هذه الحكاية يوردها الأصمعي لطرافتها ولغريب اللفظ فيها، وربما لم يخطر بباله أنها ستكون يوما شاهدا على ثقافة عصره فيما يتعلق بالنظرة إلى النساء، فالإناث عالة وعبء لأنهن عاجزات عن الكسب، لذلك ينص الأب في شكواه لربه بقوله: (أكلن كسبي)، والإناث لا يستطعن تزويج أنفسهن فبقين عوانس إلى أن كبر أخوهن الأصغر فزوجهن! وطامة الطامات أن الأم والأخوات بقين مهتوكات الستر إلى أن واراهن القبر فسترهن!!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة