أثبت المدربون الوطنيون أنهم أكثر قدرة على التعامل مع اللاعب العربي واستثمار قدراته وطاقاته وإمكاناته بصورة إيجابية. كما أثبتوا أن اللاعب العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص يمتلكون قدرات فنية عالية ويجيدون تطبيق احدث الخطط والنظريات الكروية ولا سيما في المسابقات الكبيرة والبطولات النهائية. ويوم أمس الأول أكد مدرب منتخب الامارات العربية المتحدة أنه كان على مستوى المسؤولية عندما قدم لبلاده ولدول مجلس التعاون الست منتخبا جديدا في كل شيء.. جديدا في فكره الكروي.. وفي خططه وطرق لعبه وتعامله مع كل مباراة على حدة.. حيث وضح منذ البداية انه قد اعد هذا المنتخب ليس بهدف المشاركة به في بطولة كأس الخليج الحادية والعشرين فقط.. وإنما جاء إلى المنامة لكي يفوز بهذه البطولة ويقدم مستوى مشرفا.. لا مجال فيه للصدفة أو للعبة الحظ على الإطلاق فقد فاز الإماراتيون بمباراتهم الاولى أمام (قطر) ب(3/1)، وفازوا في مباراتهم الثانية على (البحرين) ب(2/1)، وفازوا في مباراتهم الثالثة على (عمان) ب(2/0)، وفازوا في نصف النهائي على الكويت (1/صفر).. وعندما واجهوا العراق يوم أمس بدا أنهم مستعدون لهذا اللقاء جيدا وأنهم مصممون على أن يحافظوا على مرماهم بعيدا عن الخسارة.. وإن كان المنتخب العراقي قد تمكن من غزو مرماهم بهدف (يونس محمود) في وقت صعب وحساس ودقيق وبعد سيطرة شبه كاملة على الشوط الثاني من المباراة بعد أن غير المدرب العراقي الكبير (حكيم شاكر) طريقة اللعب ومال في هذا الشوط إلى الكرات البينية.. وقلل كثيرا من الحماس والاندفاع والسرعة والكرات الطويلة التي بدأ بها المباراة وثبت أن تلك الطريقة لم تحقق هدفه الاساسي وذلك بحسم المباراة في وقت مبكر.. والسيطرة على مجريات اللعب حتى النهاية.. خطة اللعب الإماراتية •• قلت منذ البداية أن مدرب منتخب الامارات (مهدي علي) هيأ المجموعة لأداء مباراة تكتيكية بحتة اعتمد فيها على المهارات الفردية العالية للاعبين ولا سيما عند كل من الأخوين (عمر وعامر عبدالرحمن) في الوسط المتقدم وعلى سرعة تبادل المراكز والتقريب بين الخطوط الثلاثة (هجوما ووسطا ودفاعا) والاعتماد وبصورة كبيرة على الكرات البينية القصيرة ذات اللمسة الواحدة.. وعدم المبالغة في التحضير واللجوء إلى الاطراف بين وقت وآخر.. •• وقد ساعد اللاعبين الإماراتيين على الاستمرار في هذا الاداء المتقن والمؤثر في الشوط الاول أمران هامان هما: أولا: الاعداد النفسي الجيد للاعبين حتى انهم بدوا منذ اللحظة الأولى على درجة قصوى من الهدوء والتركيز مما ساعدهم على إتقان التمريرات القاتلة في ما بينهم ومكنهم من الوصول الى المرمى العراقي عن طريق اللاعب المبدع (عمر عبدالرحمن) بعد أن تلاعب بخط الدفاع بالكامل وأودع الكرة في (المقص الأيمن) مستغلا تقدم الحارس العراقي (نور صبري) عن المرمى بعض الشيء. • ثانيا: قدرتهم الفائقة على توزيع جهودهم على اوقات المباراة الاساسية والاضافية دون أن يفقدوا السيطرة على المباراة.. او يستسلموا امام اللياقة العراقية العالية.. بدليل هدوئهم الشديد في الشوط الثاني الاساسي ولا سيما في ضوء لجوء المنتخب العراقي الى اللعب بنفس طريقة الامارات والحد من الاندفاع أماما.. واللعب بطريقة (3/3/4) بعد أن لعبوا الشوط الاول بطريقة هجومية كاسحة وبمحورين متقدمين خلف (يونس محمود). •• وحتى عندما سيطر العراقيون على مفاتيح اللعب في الشوط الثاني.. وكذلك الشوط الاول الاضافي.. فإن الاماراتيين استطاعوا ان يصمدوا امام هذا المخطط العراقي الجديد بالرغم من هدف التعادل الذي قرب العراق من البطولة عند بعض المراقبين.. لقناعتهم بأن الفارق اللياقي اخذ يميل لصالح العراق.. وأن انتهاء المباراة في اشواطها الاربعة بالتعادل سوف يحسمها في النهاية لصالح العراقيين بحكم خبرتهم في لعب المباريات النهائية وتمكنهم من تسديد الضربات المباشرة.. لكن المنتخب الاماراتي اثبت مجددا أن قدرته على توزيع الجهد على اوقات المباراة بتوازن كبير قد حسمت المباراة لصالحهم عندما ضاعفوا جهدهم في الشوط الثاني الاضافي وعادوا إلى لعبهم المنظم وتمكنوا من تحقيق هدف الفوز وعلى يد من؟! •• على يد لاعبين بديلين أنزلهما المدرب الذكي (مهدي علي) تباعا هما (اسماعيل مطر) الذي لعب بخبرته الفائقة وتلاعب بخط الدفاع العراقي ومرر كرة قاتلة لزميله البديل الآخر (إسماعيل الحمادي) الذي لعب الكرة في الزاوية اليمنى البعيدة للحارس في وقت صعب ودقيق وحساس مؤكدا سلامة اختيار المدرب له كلاعب نجح في القيام بدورين مزدوجين على الطرف؛ دفاعي وهجومي في آن معا.. •• وبهذا الفكر وحسن تعامل المدرب مع المباراة وإعداد منتخبه الاعداد الامثل لهذا النهائي وذلك بعد مباريات تمهيدية قوية لعبها مع فرق عالمية معتبرة نجح (مهدي علي) في حصد كأس هذه البطولة.. وزاد في نجاحه بالاضافة إلى التكتيك (البرشلوني) المتميز.. وإلى الاعتماد على الكرات البينية القصيرة واستغلال المهارات الفردية بكفاءة عالية.. فإنه أحسن التغييرات حيث نزل (إسماعيل مطر) بديلا عن (أحمد خليل) الذي لعب كرأس حربة صريح ولكنه كان أقل استثمارا لخطة المدرب.. ولتمريرات (عمر عبدالرحمن) القاتلة.. لبطئه وعدم بذله الجهد الكافي في متابعة الكرة.. كما غير المدرب لاعب الوسط (علي مبخوت) باللاعب المتميز (إسماعيل الحمادي) ليس لأنه حقق هدف الفوز والبطولة لمنتخب بلاده وإنما لأنه نجح في أداء مهمة الدفاع والهجوم وتعامل بشكل جيد مع كل من لاعبي الوسط والمقدمة بما كان يبذله من جهد إضافي كبير.. *** •• وإذا كان منتخب الامارات قد مثل اضافة فنية حقيقية للكرة الخليجية.. لما يتميز به لاعبوه من التزام دقيق بخطة اللعب.. وتوزيع الجهد.. الا أن عدم اكتمال اللياقة البدنية يظل يشكل نقطة ضعف بالنسبة لهم.. تذهب بالكثير من الانجازات الكبيرة التي يحققونها وبالذات في قدرتهم على التحكم بالكرة.. وإتقان التمرير لبعضهم البعض وهدوئهم المتناهي وتركيز ألعابهم بصورة فائقة وهي مزايا قد لا تكون كافية اذا لم يشتغل المدرب اكثر على الناحية اللياقية لدى لاعبيه وأكثرهم يملك بنية جسدية ضعيفة وقصرا في القامة وصعوبة في الالتحام وهي عيوب قد تقلل من شأن مهاراتهم العالية اذا لم يتداركوها في المستقبل. خطة المنتخب العراقي •• لجأ اللاعبون العراقيون بتوجيه من مدربهم (حكيم شاكر) في الشوط الثاني من المباراة إلى اللعب التكتيكي المنظم وتحقيق التوازن بين الخطوط الثلاثة.. وحققوا هدف التعادل لكن إجادة منتخب الإمارات لهذه الطريقة مكنتهم في النهاية من الفوز بالبطولة.. وذلك يجسد الفارق بين فكر المدربين وكذلك بين لاعبي المنتخبين.. ففي حين استمر الإماراتيون يلعبون بالطريقة التي اعتادوا عليها.. ويتبادلون المراكز ويتوزعون الادوار على اساسها.. فإن العراقيين لم يستمعوا إلى توجيهات مدربهم الذي اكتشف ان طريقة لعب فريقه في الشوط الاول اعتمادا على الكرات الطويلة والاستفادة من سرعة (يونس محمود) ووجود محورين متقدمين وراءه.. لم تفده وأنها عطلت فعالية الاطراف العراقية فشغلها الاماراتيون عن طريق تجنيح (عمر عبدالرحمن) المستمر على اليمين.. وتحرك (عامر عبدالرحمن) خلفه.. وتمرير الكرات القاتلة إلى هجوم المقدمة.. •• ولأن الطريقة التي طبقوها في هذا الشوط لم يتدربوا عليها بل اعتادوا اللعب بطريقة هجومية بحتة.. وغير متحفظة.. فإنهم كانوا اقل اجادة لها من الإماراتيين.. فكان فوزهم عليهم بالهدف الثاني القاتل.. •• وقد أعطت المباراة درسا فنيا بليغا لكل من تابعها هو أن «الانضباط» في كرة القدم مهم.. وأن التركيز في اللعب أكثر أهمية من الخطة -أية خطة-.. وأن الاستحواذ الايجابي على الكرة يمكن اصحابه من تجاوز منطقة الوسط وفتح اللعب على الجناحين وتنويع الهجمات بين المقدمة والأطراف.. وبين التراجع إلى منطقة الوسط عند الضرورة.. •• وهكذا كان الإماراتيون أكثر إجادة للعب بهذه الطريقة المتوازنة (4/3/3) ساعدهم في ذلك عشوائية وتوتر اللاعبين العراقيين وحماسهم غير المنظم واعتمادهم على السرعة فقط.. •• ومع ذلك كله فإن المدربين الاماراتي والعراقي كانا موفقين في التعامل مع البطولة بشكل عام.. ومع المباراة النهائية بصورة خاصة وإن كان فكر المدرب الاماراتي اقرب إلى لعب الكرة (البرشلونية) الحديثة.. وأتوقع أن تكون له بصمة واضحة في مستقبل المنتخب اذا توفرت لديه الامكانات الكافية وتعاون اللاعبين.. •• غير أن ما كان واضحا حاجة المنتخب الاماراتي في هذه البطولة إلى (مهاجم صريح) يجاري مجمل لاعبي المنتخب حيث المنهجية والفكر وأسلوب الأداء.. لأن (أحمد خليل) ما زال يلعب بطريقته التقليدية المعروفة.. ولا يتجاوب مع حركة وسط الفريق وأطرافه بالصورة المطلوبة ولا يبذل جهدا كافيا في متابعة الكرة.. وليست لديه مهارات المهاجم الصريح (الثعلب) والمراوغ.. ويعتمد فقط على قوته البدنية.. وإن كان لا يجيد الالتحام ويخاف على قدميه كثيرا ولا يحسن التمركز في المكان والزمان المناسبين.. كما أن لاعب الوسط الايمن (علي مبخوت) وإن كان يملك مجهودا كبيرا.. الا أنه كان في هذه المباراة (تائها) وأقل مجاراة لزملائه في الاداء المتميز وفي التمركز المؤثر وإن كانت قدراته البدنية جيدة.. يضاف إلى هذا أن منطقة خط الظهر اليسرى الاماراتية لا تبدو على نفس الدرجة من القوة.. والحركة.. وإن كان واضحا ان مدرب المنتخب قد ألزم الظهير بعدم التقدم لمساندة الهجمة فكانت منطقة عجز لم يستغلها العراقيون بدرجة كافية.. •• وليس لدى الإمارات مشكلة في منطقة وسط الدفاع لأن كل خصائص المدافعين المتميزين تتوفر فيها.. وإن كان المحور المتأخر اكثر ميلا إلى الهجوم منه إلى أداء المهام الدفاعية وتلك نقطة ضعف تزيد من أعباء خط الظهر الاماراتي كثيرا.. وهي مهمة المدرب الذي يحتاج إلى التنبه لها في لقاءاته القادمة.. *** •• والشيء الأخير الذي لا يجب تجاهله وساهم في إنجاح المباراة كثيرا هو دقة أحكام الحكم السعودي وتواجده في كل مكان من الملعب ولياقته العالية وحساسيته تجاه الكرة.. وإعطاؤه فرصا كافية لسير الكرة للحيلولة دون قتل اللعب.. وإن كانت بعض الفضائيات العراقية قد عبرت عن عدم رضاها عنه.. بالرغم من أنه سمع كلاما جميلا من ولي عهد البحرين (راعي المباراة) تشيد بأدائه وتميزه ودقة أحكامه.