كثر هم أولئك الذين أجبرتهم ظروف العيش على هجرة مسقط رؤوسهم والخروج من رحم البيئة الصغيرة إلى الغربة الأرحب، حين تقسو الحياة على بني البشر في مكان ما فإنه يجبر مكرها على الرحيل بحثا عن لقمة العيش ضاربا في الأرض يبتغي الرزق. «عكاظ» التقت عددا ممن تركوا ديارهم وانتقلوا إلى مواقع أخرى بحثا عن لقمة العيش، وكانت البداية مع ذياب القحطاني (60 عاما) من الرياض ينتظر ويتأمل في ساحة حافلات ومواقف التاكسي الأجرة في باب شريف وسط جدة، كان ينظر إلينا وهو شارد الذهن اقتربنا منه ووجدناه يحمل هموما كثيرة، حاولنا عدم إزعاجه لكن فضولنا جعلنا نقترب منه، لم يسمع تحيتنا في البداية سوى إشارة المباشر له ينبهه بصوت مرتفع بوصول الشاي بسبب ضعف السمع لديه. وبدأ يتحدث: «أنا من أهل الرياض، أعيش وحيدا وأعزب وأعمل على سيارتي الخاصة في نقل الركاب فيوم ضائقة ويوم يحمل الفرج، ولا أعلم شيئا إنما تتدبر بإرادة الله». أما منشط طلق النجمي من سكان محافظة الطائف فيقول: «نحن مغتربون لا نعرف الإجازة، بمعنى نحن محرومون منها، بسبب الكثير من الظروف المعيشية التي تجعلنا نكافح ونجاهد في هذه الحياة من أجل لقمة العيش وتوفيرها». وأضاف النجمي «أنا صاحب حافلة منذ 30 سنة أعمل عليها في البحث عن لقمة العيش، وهي مهنتي التي أعتمد عليها وبها أضع آمال حياتي، ولا يهمني إن كان يكفي عائدها متطلبات الحياة أو لا يكفي، المهم أن أؤمن يومي ويوم أولادي، وإن كنت تسألني عن الإجازة فهي لا تعنيني فقد قضيت طوال عمري بدون إجازة، فمن أين تأتي الإجازة ونحن لا نملك رصيدا في البنك، رصيدنا هو الراكب الذي يأتي ونوصله وغير ذلك لا نبحث عن شيء، الكثير من المشاكل التي نعانيها، منها سيطرة الأجانب على الحافلات وقيادتها ومزاحمتنا عليها بطريقة عشوائية دون متابعة من المرور». وذكر حمود عبدالله (65 عاما) قائلا «إنني أعمل على الحافلة منذ 40 سنة وهذا يعني أنها باب رزقي منذ تلك الفترة وكانت الأحوال جيدة لكن الوضع في الوقت الحالي تغير كثيرا بعد سيطرة الأجانب من جنسيات صومالية ويمنية على نقل الركاب في الحافلات، ونكاد نوفر لقمة يومنا»، وأضاف «نحن نغترب عن أسرنا ونكون بعيدين عنهم من أجل توفير لقمة العيش، إضافة إلى أننا نعاني من عدم وجود أدوات أو قطع غيار للحلافات والسيارات القديمة لا نجدها في السوق الأمر الذي يحملنا أعباء كثيرة، ولا نستطيع شراء سيارات أو حافلات جديدة، كذلك ممنوع بيعها، ولدي الكثير من الهموم التي تلازمني منذ سنوات طويلة». فيما أشار علي العتيبي (75 عاما) سائق ليموزين وأب ل15 فردا إلى أن «الحياة صعبة للغاية، وتزيد أعباؤها على المغتربين مثلي متنقلا بين مدن المملكة في نقل الركاب، فظهري يعاني من القيادة ولا أستطيع أن أتوقف عن نقل الركاب فهي وظيفتي ومصدر رزقي»، وأضاف «اشتريت (الليموزين) ب74 ألف ريال على أقساط شهرية تصل إلى 1000 ريال، ما زاد علي من الأعباء في التسديد لأن قبل هذا وجدت نفسي مجبرا على شراء السيارة بعد تعطل وقدم السيارة الأولى». ويقول سالم علي فائز وزريق سالم آل حجاجي من المنطقة الجنوبية: «معاناتنا لا تختلف عن معاناة زملائنا، فنحن في مركب واحد ولدينا نفس المشاكل والمعاناة، بداية من توفير لقمة العيش وانتهاء بالإيفاء بالالتزامات المالية ودفع إيجارات السكن وغيرها من الأمور التي تزيد من معاناتنا مع الغربة وتحمل المشقة في نقل الركاب». ويستطرد فائز «أعمل على الحافلة بخط سير من البلد إلى طريق مكة القديم، يوميا منذ سنوات إلى أن تعطلت الحافلة ولم تعد تقو على مواصلة (المشاوير) اليومية ثم توقفت معها الحياة بالنسبة لي، ولم أستطع إصلاحها».