في الخطاب السياسي العربي سوف تجد نفسك أمام لغة مخاتلة ومخادعة وهي تعكس الحالة العربية في هذا المستنقع السياسي والطائفي والمذهبي وليس ذلك الواقع القائم على مفهوم الدولة الحديثة والفكر المؤسساتي وفي حياة عامة يمارس الكل فيها حرياتهم بكل يسر وسهولة في فضاء وطني يؤمن بقيم ومبادئ التعددية السياسية والفكرية والمذهبية والحوار والقبول بالآخر. وهتا يبرز سؤال: أين هو هذا الواقع السياسي العربي الذي ينبغي أن يجمع كل فئات المجتمع وطوائفه وطبقاته على قيمة وحيدة وواحدة هي قيمة أن تكون العقلانية السياسية هي الجامعة لا أن يصبح هذا الواقع السياسي العربي في مجمله قائما على إعطاء الحقيقة وجها آخر هو وجه الباطل وإعطاء الباطل وجها آخر هو وجه الحق، أي أن يتحول المضيء إلى معتم والمعتم إلى مضيء. الكاتب المغربي عبدالسلام بن عبدالعالي نشر مقالا في جريدة «الحياة» الجمعة 21/ أيلول /سبتمبر 2012 م بعنوان «في الكذب السياسي».. لقد أضاء وهو المحلل في الشأن الفكري والفلسفي، معنى الكذب في تجلياته السياسية والثقافية إذ يقول: «إنه لم يعد إتلافا للحقيقة وإنما أصبح إتلافا للمعنى وهذا بالضبط هو الشكل الجديد للكذب السياسي الذي أصبحنا نعيشه والذي تكرسه وسائل الإعلام الحديثة التي تعمل على تغييب الواقع فتلاحق تطور الأحداث لتجعل منها راهنا دائما ووقائع جزئية دائمة».. لقد استشهد المفكر المغربي عبدالسلام بن عبد العالي بمجموعة من الباحثين والمفكرين في هذا المقال العميق والذي يضيء معنى الكذب السياسي مثل المفكرين الفرنسيين الراحلين ميشيك فوكو وجاك دريدا وآخرين، ذلك أن كلمة كذب في سياقها اللغوي والثقافي والتاريخي والاجتماعي والسياسي لها مدلولاتها وإيحاءاتها وتجلياتها المختلفة.. إن العالم في كثير من أدبياته وفي سلوكيات بعض البشر وفي الفكر السياسي والاجتماعي قائم على تزييف الواقع وتزيين الكذب وجعله جميلا ومبررا له مصوغاته وخطاباته أيضا. إن الكذب له طرقه وأساليبه ووسائله وهو ليس قاصرا على الأفراد فقط، إنه كذب جماعي وكذب دول مع دول وفي حالة الكذب السياسي أنت أمام كوارث تتحول فيها الكذبة إلى كارثة ومثال ذلك كذبة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق من قبل إدارة جورج بوش الابن التي تحولت من كونها كذبة سياسية إلى كارثة. إنه الكذب السياسي الذي لا أخلاق له ولا ضمير وهو كذب تبريري قائم على تقديم المصالح على كل شيء.