بات من المؤكد هذه المرة أن المصالحة الفلسطينية باتت على الأبواب، وأن الانقسام الجغرافي والسياسي هو إلى زوال تحقيقا لرغبة الشعب الفلسطيني، لأن أكثر شيء بدهية ومنطقية في الحالة الفلسطينية هو المصالحة، ولأن الانقسام بالنسبة لشعب تحت الاحتلال هو الشذوذ بعينه، وبالتالي فإن بقاء هذا الانقسام هو مصلحة إسرائيلية. المصالحة قادمة .. والانقسام إلى زوال إن من أصعب وأسهل شيء في نفس الوقت هو تحقيق المصالحة التي تبدو الأكثر بداهة ومنطقية، لماذا؟ لأن المعايير المتعلقة بالمصالحة تدخل فيها عوامل موضوعية وذاتية كثيرة، ويدخل فيها أطراف عديدون من شركاء الوطن والشتات وأصدقاء وأعداء لهم أجندات متقاطعة إلى حد التعارض والتناقض، فالتباعد في المكان، وطبيعة الجغرافيا السياسية، ووجود هذا الاحتلال الذي هو الأبشع من نوعه في العالم، وأوهام البعض محليا وإقليميا التي تصل إلى حد الجنون أحيانا, والتي تذبح المصالح الوطنية العليا بناء على أوهام ساقطة، كل هذه العوامل الموضوعية الذاتية السلبية جربناها من قبل، وهي التي أدت إلى فصل الانقسام الأسود، الذي عانى فيه الشعب الفلسطيني من تزوير أجندته، وإلحاق الأذى الكبير بمصالحه العليا، وإعطاء ذريعة لإسرائيل للتنصل من التزاماتها. بين حدي هذه المعادلة الصعبة، نجح الفلسطينيون في مراكمة حقائق إيجابية تعبد طريق المصالحة، وتجعل هذه المصالحة ملحة جدا، وممكنة جدا، خاصة أنه في مسار الحوار والجدل والصراع الهادئ أحيانا والصاخب أحيانا أخرى، فإن الأصوات المعادية للمصالحة قد خفتت، وحوصرت، وقل شأنها في السياق العام، وبالتالي فإن الطريق الذي كان دائما مزروعا بالاحتكاكات السلبية، والمهاترات الجارحة، والنوايا الخبيثة، قد أصبح سالكا، وآمنا بقدر كبير، ولذلك جاء اللقاء بين الرئيس أبو مازن وخالد مشعل برعاية مصرية، وفي أعقاب مسار تصاعدي لممارسات المصالحة بدأت بانكسار إرادة العدوان الإسرائيلي في حرب الأيام الثمانية الأخيرة، والانتصار المبهر في الأممالمتحدة، ثم مهرجان غزة الفتحاوي غير المسبوق في التاريخ الفلسطيني والعربي، والمهم أن هذه اللحظات الإيجابية الكبرى تمت جميعها وسط أجواء التعاون، وتحت سقف تصالحي الأمر الذي جعل شعبنا يصبر على أن المصالحة هي بوابة كل خبر، وأن الانقسام هو كهف كل الشرور، ونأمل أن تتلاحق الخطوات الإيجابية، وأن تتوالى الآليات التنفيذية، لأنه عبر النجاح وحده يمكن أن تسد الثغرات, ونفوت الفرصة على العابثين، وتحول المصالحة إلى بناء حقيقي في أرض الواقع.