شهدت الساحات العربية تطورات دراماتيكية خلال الشهور القليلة الماضية جعلت المسرح الفلسطيني يتأرجح أمام ملف المصالحة الداخلية، بعدما كان هذا الملف جامداً عقب فشل جولات الحوار في القاهرة والتي ضمت كل أطياف العمل الوطني الفلسطيني مشمولاً بالفصائل والشخصيات المستقلة. غير أن هذا التأرجح لم يرق إلى المستوى المطلوب من قبل القواعد الشعبية الفلسطينية. ويبدو أن كتاب الانقسام الداخلي أضاف إلى أوراقه صفحة جديدة من النزاعات والصراعات التي تفرضها المعادلات الإقليمية والدولية التي تلعب أدواراً واضحة في تحريك الأطراف الفلسطينية نحو التوجه إلى الوحدة الوطنية، وبات الدور الخارجي المؤثر على ملف التوافق الفلسطيني واضحاً، فعملياً أشار الرئيس أبو مازن و»فتح» في اكثر من مناسبة إلى الفيتو الأميركي على المصالحة، وعلى الطرف الآخر فإن التأثير على قرار «حماس» نحو المصالحة موجود حتى وإن نقل الإعلام موافقة تلك العواصم على المصالحة الداخلية. أمام هذا التنافر الداخلي الفتحاوي الحمساوي الذي ينقل صورة واضحة لحالة الانقسام العربية الإسلامية، كانت القاهرة الثورة ميداناً لجهود جديدة لتحقيق المصالحة، إلا أن الحالة الفلسطينية تعاملت مع الواقع المصري الجديد بالصورة السابقة نفسها من قبل «فتح»، وبتهور ورفع للسقف من قبل «حماس»، فكانت القراءة السياسية لطرفي الانقسام لواقع مصر الجديدة مقصورة على رغباتهما الذاتية في كسب التوجه الجديد في القاهرة لمصلحته في استخفاف بالمطالب الشعبية الفلسطينية وهي ذاتها القاعدة الشعبية التي غيرت الواقع في مصر. كان من الأجدى لفتح وحماس أن تدركا الرسالة بشكل أكثر نضجاً وهي أن الشعوب ترفض صاحب المصالح الخاصة وعند اشتعال الثورات تجتمع المطالب على المصالح العامة والوطنية، وهو ما ينسجم مع الحالة الفلسطينية في الرغبة في تحقيق الوحدة الوطنية ورفض فرض الأجندات الحزبية على الأجندة الوطنية وبالتالي رسالة تهديد لسلطة رام الله وسلطة غزة ودعوتهما بشكل صريح لتحقيق مطالب الجماهير وهي أن الشعب يريد إنهاء الانقسام. غير أن الحراك الفلسطيني الشعبي لم يرق إلى المستوى المطلوب وكان لزاماً لكل التوجهات الشعبية الحريصة على إنهاء الانقسام مواصلة خروجها في كل من رام اللهوغزة بطاقات مكثفة حتى وإن كانت هناك ملاحقات واعتداءات من قبل السلطتين، فليس من المتوقع أن تستجيب حماس وفتح المتوغلتين في دهاليز الانقسام لمجرد الدعوات لبضع ساعات. فمن الواجب أن تخرج كل البيوت الفلسطينية في الضفة وغزة وبكثافة جماهيرية عالية بعيداً عن الاحتواء الحزبي لهذا الحراك وبشكل مستمر ومتزامن وأن تكون نهاية هذا الحراك عقب تحقيق المصالحة وليس دون ذلك. ما شهدته القاهرة في الأيام الماضية من لقاءات شغلت حيزاً كبيراً في الإعلام يستدعي مواقف فلسطينية ذات إرادة حريصة على المصالحة، لأن مصر الثورة أمامها ملفات كثيرة داخلية وما يجرى حالياً فرصة من القاهرة يجب استغلالها والاستجابة لجهودها. الرئيس أبو مازن قبل دعوة هنية في مشهد لتقاذف الكرة بين الطرفين غير أن المضمون الحقيقي للوصول إلى المصالحة لا ينحصر في زيارة لالتقاط الصور، زيارة كهذه تستدعي لقاء سريعاً من قبل الطرفين للإعلان عن الاتفاق على ورقة من المبادئ التوافقية تكون مدخلاً لتشكيل حكومة تكنوقراط ترعى إجراء انتخابات شاملة وتبدأ في إعادة إعمار القطاع المدمر. أما حماس فعليها أن تعيد قراءة المشهد العربي خصوصاً تطورات الأوضاع في مصر للتوجه إلى اتفاق مصالحة يؤسس لمرحلة فلسطينية تشهد حوارات مستمرة تضمن قيادة مشتركة للشعب الفلسطيني، فليس معنى التوصل إلى اتفاق للوحدة الوطنية نهاية للمطاف بل مدخلاً لمرحلة فلسطينية جديدة تحمل ملامح الحوار كأبجدية أساسية في كل إحداثيات القضية الفلسطينية.